بدأت أولى طلائع الطائرات والمقاتلات الروسية في مغادرة سورية أمس، تنفيذاً للإعلان المفاجئ للرئيس فلاديمير بوتين بسحب القسم الأكبر من قواته من هذا البلد، في خطوة لاقت ترحيباً دولياً وآمالاً كبيرة أن تنعكس إيجاباً على مفاوضات «جنيف 3»، التي دخلت يومها الثاني.

Ad

مع بدء اليوم الثاني للمفاوضات السورية غير المباشرة في جنيف، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس أن دفعة أولى من طائرات النقل والقاذفات التابعة لها أقلعت من سورية متجهة إلى روسيا تنفيذا لقرار سحب القسم الأكبر من القوات العسكرية من هذا البلد، الذي يشهد نزاعاً دامياً دخل عامه السادس.

وجاء في بيان للوزارة: "أقلعت من قاعدة حميميم الجوية طائرات نقل من طراز تي-154 وقاذفات سو-34 ومعدات تم تحميلها على متن طائرة إليوشن آي.ال-76 للنقل الثقيل عائدة إلى قاعدتها في روسيا".

وغداة إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المفاجئ سحب القوات الروسية المنتشرة منذ 30 سبتمبر الماضي في سورية، أوضحت وزارة الدفاع أن الطائرات ستغادر القاعدة الجوية ضمن مجموعات تضم طائرة نقل على متنها تجهيزات تقنية أو معدات وترافقها طائرات روسية، مضيفاً أن "كل دفعة من هذه التشكيلات ستحلق على مسار متفق عليه قبل ذلك حتى الحدود الروسية وبعد عبورها ستتوجه كل طائرة منفردة إلى قاعدتها".

ورغم تنفيذ الانسحاب، شدد نائب وزير الدفاع الجنرال نيكولاي بانكوف على أن الطيران الروسي سيواصل ضرباته الجوية على "أهداف إرهابية"، معتبراً أنه "من المبكر جداً الحديث عن انتصار على الإرهابيين".

دفاع وهجوم

وأكد رئيس المكتب الرئاسي في الكرملين سيرغي إيفانوف أن الجيش الروسي سيحتفظ بـ"أحدث" أنظمته للدفاع الجوي في سورية، دون أن يؤكد رسميا ما اذا كان الأمر يتعلق ببطاريات صواريخ من طراز "إس-400"، مشيراً إلى أن "قسماً من العسكريين الروس سيبقون في قاعدتي حميميم وطرطوس تحت حماية فاعلة، خصوصاً من خلال وسائل حماية برية وبحرية وجوية".

ونفى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن يكون سحب القوات يستهدف ممارسة الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد، مؤكداً أن بوتين اتخذ قراره والقائد العام للقوات المسلحة، اعتماداً على استنتاج مفاده أنه تم تحقيق المهمات الأساسية المطروحة بسورية.

قرار مفاجئ

وبعد أسبوعين على بدء العمل بوقف لإطلاق النار، وبالتزامن مع بدء جولة من المفاوضات في جنيف بين وفدي النظام والمعارضة، أمر الرئيس الروسي أمس الأول بسحب القسم الأكبر من القوات العسكرية الروسية من سورية، في قرار مفاجئ أبلغ به الأسد في اتصال هاتفي.

تبريرات دمشق

وبعد بيان مقتضب أعلنت فيه أن "الرئيسين اتفقا على تخفيض عديد القوات الجوية الروسية في سورية مع استمرار الدعم  في مكافحة الإرهاب"، أصدرت الرئاسة السورية بياناً ثانياً أوضحت فيه أن الإعلان الروسي لا "يعكس خلافاً سورياً روسياً"، مشددة على أن "الموضوع برمته تمّ بالتنسيق الكامل بين الجانبين، وهو خطوة تمّت دراستها بعناية ودقة منذ فترة، على خلفية التطورات الميدانية الأخيرة، وآخرها وقف العمليات العسكرية".

وفي محاولة لامتصاص الصدمة، أكدت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان ان "القوات الروسية حققت كامل الأهداف المتفق عليها بين الجانبين الروسي والسوري"، واضافت ان بلادها ترحب بـ"التنسيق الروسي الأميركي بما يخص استقرار سورية والمنطقة"، متوقعة "ضغوطا أكبر من الجانب الأميركي على الذين يرفضون التسويات في سورية".

مفاوضات السلام

وجاء القرار في اليوم الأول من انطلاق المحادثات غير المباشرة في جنيف، حيث التقى الموفد الدولي ستيفان ديميستورا كبير مفاوضي وفد الحكومة السورية بشار الجعفري، قبل أن يلتقي اليوم الوفد المعارض وكبير مفاوضيه محمد علوش، الممثل السياسي لفصيل "جيش الاسلام".

في بيان تلاه أحمد فوزي أحد المتحدثين باسم الأمم المتحدة في جنيف، اعتبر ديميستورا أن "إعلان الرئيس بوتين في اليوم نفسه لبدء هذه الجولة الجديدة من المفاوضات، هو تطور مهم نأمل أن يكون له تأثير ايجابي على تقدم المحادثات التي تسعى للوصول الى حل سياسي للنزاع وإلى انتقال سياسي سلمي"، موضحاً أنه أُبلغ القرار قبيل إجرائه محادثات عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع مجلس الأمن.

وأطلع المبعوث الأممي سفراء الدول الـ15 عبر دائرة الفيديو المغلقة على أجواء اليوم الأول من مفاوضات السلام غير المباشرة، مؤكداً ضرورة "حماية" وقف إطلاق النار الصامد منذ 17 يوماً، من "تراكم الحوادث" التي يمكن أن تفشله.

ورأى أن هذه الهدنة "صامدة عموماً" لكنها تبقى هشة، و"لا يمكن أن تستمر طويلاً من دون عملية انتقال سياسي"، وهو الهدف الأول لمفاوضات جنيف.

ردود دولية

واعتبر مجلس الأمن القرار، الذي صادف الذكرى الخامسة لنزاع دام أودى بحياة أكثر من 270 ألف شخص وشرد الملايين، "أمراً إيجابياً"، فيما تريثت المعارضة السورية وواشنطن، أبرز حلفائها، في الإدلاء بموقف واضح قبل التحقق من الانسحاب.

وفي ختام مشاورات مغلقة حول سورية، قال الرئيس الحالي لمجلس الأمن السفير الأنغولي إسماعيل غاسبار مارتينز: "أخذنا علماً بقرار روسيا بدء سحب جزء من قواتها، وهذا شيء جيد"، مضيفاً أن هذه المبادرة "أصبحت ممكنة بسبب التعاون الجيد بين الولايات المتحدة وروسيا".

البيت الأبيض

وأعلن البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما، رحب بالقرار وتناقش هاتفياً مع نظيره الروسي في "الانسحاب الجزئي"، "والخطوات المقبلة اللازمة للتنفيذ الكامل لوقف الأعمال القتالية".

لكن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست اعتبر من السابق لآوانه التكهن بالتداعيات المحتملة لقرار من هذا النوع على المفاوضات الجارية في جنيف. وقال: "لا بد لنا من ان نعرف بدقة ما هي النوايا الروسية".

لا حاجة للقوة

واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أمس، أنه ينبغي النظر إلى خطوة روسيا ببدء الانسحاب من سورية، كإشارة إيجابية لأنهم لا يرون حاجة وشيكة للجوء إلى القوة في الحفاظ على وقف إطلاق النار.

ومتحدثاً من كانبيرا بعد لقائه نظيرته الأسترالية جولي بيشوب، أكد ظريف موقف إيران حول ضرورة وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي. وقال إن "حقيقة صمود شبه هدنة موضع ترحيب، هذا شيء كنا نطالب به منذ ما لا يقل عن عامين ونصف العام أو ثلاثة أعوام".

«النصرة» والفصائل

وفي أول انعكاس للقرار على الأرض، أعلن قيادي ميداني في "جبهة النصرة" أمس هجوما واسعا في سورية خلال 48 ساعة من دون تحديد مكانه. وقال القيادي، لوكالة "فرانس برس"، "هزيمة الروس واضحة، وانسحبوا لسبب واحد وصريح لأن النظام خذلهم، ولم يحافظ على المناطق التي سيطر عليها، وليس هناك جيش، وميليشياته مرهقة"، مشيراً إلى أنه "من دون الطيران الروسي لكنا الآن في اللاذقية".

في السياق، أفادت مصادر لقناة "العربية" أمس بأن اجتماعاً عسكرياً لكل فصائل المعارضة العسكرية سيعقد في أنقرة في غضون الساعات المقبلة، موضحة أنه يهدف إلى تشكيل جسم موحد.

والتقى مستشار المرشد الأعلى الايراني علي خامنئي امس نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، حيث شدد على متانة العلاقات بين طهران ودمشق في محاولة ايرانية للعودة إلى الساحة بعدما جرى تهميشها خلال الوجود الروسي.

3 محطات خلافية قد تكون وراء الانسحاب

رصد مراقبون 3 محطات خلافية ظهرت في الشهرين الأخيرين بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره السوري بشار الأسد، قد تكون وراء قرار روسيا المفاجئ بالانسحاب من سورية، أو على الأقل قد تكون ساهمت في الوصول الى هذا القرار... وفي ما يلي هذه المحطات:

 الأسد ونقابة المحامين

أطلق رئيس النظام السوري بشار الأسد تصريحات عالية اللهجة خلال لقاء مع مجلس نقابة المحامين في 15 فبراير الماضي. وكان أهم ما قاله ان نظامه سيواصل القتال حتى استعادة كل الأراضي السورية بالقوة العسكرية.

وبعد 3 أيام وصف المندوب الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين تصريح الأسد بأنه "لا ينسجم مع الجهود الدبلوماسية لروسيا"، موجهاً "نصيحة" يخيّر فيها الأسد ما بين الخروج بكرامة من الأزمة، أو أن الوضع سيكون صعباً جداًَ.

قانون الانتخابات

وفي محطة خلافية ثانية أصدر الأسد مرسوماً جمهورياً يحدد فيه 13 أبريل موعداً لانتخابات مجلس الشعب، دون أي اعتبار لوجود مفاوضات سلام. وعلقت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا على المرسوم بالقول: "يجب أن تجري هذه الانتخابات على أساس اتفاقات بين الحكومة السورية والمعارضة".

الخط الأحمر

المحطة الثالثة، كانت مع وليد المعلم وزير خارجية الأسد، الذي اعتبر في مؤتمر صحافي قبيل مباحثات "جنيف3"، أن مصير الأسد هو "خط أحمر"، وان موضوع الرئاسة ليس بنداً في المفاوضات، وانه ليس هناك أي حديث عن مرحلة انتقالية بل حكومة وحدة وطنية. ويبدو أن هذه المحطة كانت القشة التي دفعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإعلان قراره المفاجئ.