أثارت ظاهرة {البرنامج- المسرح} تساؤلات حول توجه المنتجين لعرض أعمالهم الفنية المطروحة في المسارح على شاشة التلفزيون، وما إذا كانت المشاهدة التي تحققها هي بديل حضور الجمهور لمتابعتها في المسارح، وهل تحقق لمنتجيها العائد المادي الذي يُرضيهم، فيكررون التجربة حتى بشكل آخر، وهل يمكن اعتبارها وسيلة لإعادة تعلق المتفرجين بأبو الفنون؟
في تصريح لـ {الجريدة}، يوضح المنتج صادق الصباح أنه يبحث من خلال شركته {المتحدين للإنتاج صبّاح إخوان} عن أي وسيلة تُسعد الجمهور، ولا مانع من أن يكون النجاح الذي حققته عروض {مسرح مصر} التي أنتجتها الشركة الدافع لمشروع برنامج مسرحي كوميدي هو {وش السعد}.يضيف: {لا تأتي هذه المحاولة من خطوة فجائية نقوم بها، إنما بعد دراسات، وإضافة جرعة جديدة من الضحك من منطقة لها علاقة مباشرة مع الجمهور، إذ بدأ التحضير للبرنامج منذ أربعة أشهر بعد الاتفاق مع سعد الذي يتمتع بجماهيرية في الوطن العربي عموماً ومصر خصوصاً، وله جمهور كبير في الخليج، {ما دفعنا لنتحمل مسؤولية في هذا المشروع، ونمنحه إمكانات أكبر}.يضيف أن توقيت عرض {وش السعد} يوم الجمعة مناسب، إذ يتزامن مع إجازة المواطنين، متوقعاً أن يُسهم ذلك في ارتفاع نسبة مشاهدته، إلى جانب انتهاء موسم عروض {مسرح مصر}، والتحضير للموسم الجديد.يتابع: {ليست سيطرة منا على الشاشة، بل تنفيذ أعمال يرغب المشاهد في متابعتها، على غرار تلك الخفيفة المُضحكة مثل {مسرح مصر}، و{وش السعد}، أو تلك الدسمة مثل {أريد رجلا}.يشير إلى أن العرض التلفزيوني للأعمال والبرامج المسرحية هو بديل لما قد تحققه هذه الأعمال على خشبة المسرح، مشدداً على أن العرض المسرحي وحده ليس مُجدياً من الجهة الاقتصادية، وأن المسرح الذي يُعرض فيه {وش السعد} يستوعب لنحو 500 متفرج، مع ذلك لم يفكر في فتح الباب لحضوره، وإن فعل ذلك سيكون مقابل تذاكر ذات أسعار رمزية، كما كانت الحال مع {مسرح مصر}، وكانت كل حفلاته كاملة العدد.مجازفةالمنتج وائل علي الذي يشارك في إنتاج {تياترو مصر} مع المنتج محمد عبد الحميد يعتبر أنهما جازفا في البداية بهذه التجربة، وكانا أول من قدمها، وشعرا بخوف من العائد الضعيف منها وغير المضمون أيضاً، لكن مع رواج فكرتهما وقيام منتجين آخرين بتقديمها تحول الخوف إلى سعادة وشعور بالثقة من هذه الريادة.يضيف: { تحمّلت قناة {الحياة} مسؤولية هذه التجربة معنا، وكان لها السبق بين المحطات الفضائية}، موضحاً أنها شاركتهما المغامرة، وعرضت المسرحيات على شاشتها ليتابعها المشاهدون في المنزل، ويستعيد المتفرج تعلقه بالمسرح، حتى إن لم يتابع العروض مباشرة، وتعود الثقافة المسرحية إلى البيوت.بدوره يشير الناقد المسرحي د.عمرو دوارة إلى أنه لا بد من تحقيق علاقة حميمة بين المسرح والجمهور، فيستمتع الأخير برؤية العرق يتصبب على وجه الممثل الذي يسعد بالتواصل مع المتفرج وتفاعله معه. لكن العرض التلفزيوني للأعمال المسرحية يفقدها أكثر من 50% من متعتها. يضيف: {لا نرفض هذه الوسيلة لأنها ضرورية لنقل ما لا يستطيع المشاهد متابعته في المسارح البعيدة، ولكن الأمر زاد عن حده بلجوء الفضائيات إلى ملء ساعات عرض، من خلال استخدام نجوم الكوميديا وممثلين شباب لعرض مسرحيات سريعة، لم تُقدّم منذ قرن كامل في الملاهي الليلية، تعتمد على القفشات، وحبكة درامية غير جيدة الصُنع، حتى أصبحت موضة}.يشير إلى اختفاء الفنان إبراهيم نصر الذي كان بارعاً في الكوميديا، وكان علامة الإقبال الجماهيري في المسرح والتلفزيون ونافس النجوم في ذلك، وأن المسرح يظل هكذا برصانته والقيم القوية التي ينشرها، {ولا نقصد بذلك تقديم نصوص تراجيدية، إنما كوميدية أيضاً}.توقيت مناسبتلفت الناقدة حنان شومان إلى أن العرض التلفزيوني للمسرحيات والبرامج الكوميدية جاء في الوقت المناسب له، بعد هجر الجمهور المسرح، وقلّة من أعمال القطاعين الخاص والعام تجذب المتفرج، وتدفعه إلى مشاهدتها.تضيف: {نعاني منذ سنوات غياب هذا الفن، فيما كانت أضواؤه لا تنطفئ، حتى تحولت المسارح إلى دور عرض، ويعود الفضل في تغيير هذه الأوضاع إلى أشرف عبد الباقي، الذي تشككت في البداية في مدى نجاح مشروعه، لصعوبة تحقيق عادة مشاهدة المسرح بعد سنوات الابتعاد هذه}.تتابع: {كانت المفاجأة بردة الفعل على هذه المسرحيات، وكان للعرض التلفزيوني فضل في ذلك، إذ حقق لها الانتشار، لأن العرض المسرحي لن يتابعه عدد يساوي الأفراد الذين يشاهدون {مسرح مصر} أو {تياترو مصر} كما كان في بدايته، مع هؤلاء الذين يتابعونه في منازلهم، ما يجعلنا نقول بثقة إن التلفزيون صنع شعبية لهذه العروض المسرحية، بل دفع الجمهور إلى شراء تذاكر لمتابعة العروض مباشرة ولقاء نجومهم المفضلين من الشباب}.توضح أن {هذه الظاهرة تعود إلى عهد المسرحيات الكلاسيكية مع عبد المنعم مدبولي في الخمسينيات والستينيات، كذلك مع فؤاد المهندس، شويكار، عادل إمام، هؤلاء ارتبط عرض مسرحياتهم بالأعياد، بعدما كانت تعرض الخميس من كل أسبوع}. تعرب عن الخوف من أن تفسد أعمال معينة الفكرة التي كان لعبد الباقي دور في ريادتها أو إعادة إحيائها بعد غيابها، وأن يصبح العرض التلفزيوني لأعمال مسرحية فكرة يتم استهلاكها وتقليدها حتى تفسد، على غرار ما حدث مع تجارب {سيت كوم} بعد نجاح {راجل وست ستات}، و{تامر وشوقية}، حتى ملّ الجمهور هذه النوعية، خصوصاً مع البداية غير المبشرة لمحمد سعد في برنامجه {وش السعد}، وتكراره لشخصية يعرفها الجمهور جيداً، وتطالب بتقديم أعمال تضيف إلى هذه الفكرة، حتى يصبح المسرح مصدر دخل للبلد كما هي الحال مع مسرح برودواي في نيويورك.
توابل
المسرح التلفزيوني... حل بديل لأزمة «أبو الفنون»؟
17-02-2016