الإحباط والأمل يملآن نصوص كتابك الأخير «يا سلمى أنا الآن وحيد»، فالبطل يرسل رسائله إلى حبيبته بعد فراقهما وهذه الرسائل لا تصل إليها ولا تعرف عنه شيئاً، لكن يصر على كتابة الرسائل بانتظام وكثافة... ما المعنى الذي أردت إيصاله بهذا التباين؟

Ad

كل ما أردته كتابة الوجع الذي يعانيه الإنسان في حالته الأخيرة. ما يحدث من دمار وحروب ودماء تجعل العالم حزيناً، فكيف سأكتب عنه ببهجة وكأنني لا أعيش. في كل مرحلة تجد الأدب مرافقاً وصديقاً جيداً لهذا العالم، يستطيع أن يفضح نفسه له، يبكي أمامه. هذا العالم حزين. العالم الآن يتغير إلى خريطة أخرى لا يعلم عنها شيئاً، يشعر بالضياع، يشعر بأنه هزيل. الإنسان في هذه الفترة يائس. إذا سألت أي شخص يعيش من أية بقعة في الأرض سيخبرك بأنه حزين ولا يعرف السبب. ثمة حزن ما يجوب العالم بحثاً عن مأوى. اللاجئون يملأون العالم لأسباب هم ليسوا طرفاً فيها، فكيف سيكون كتاب عبارة عن رسائل أخبر فيها سلمى عني وعن أناس يعيشون بجواري في الكرة الأرضية؟ سأخبرها أني حزين وأريد أن أعيش في سلام نفسي.

لماذا اخترت أن تكون حبيبتك غائبة، ولماذا هي فلسطينية أيضاً؟

يفقد الحضور متعة تلصص القارئ. الغياب يشبهنا جميعاً. فاخترت سلمى الغائبة التي لا أعلم عنها شيئاً. هي تشبه غيابنا قبل حضورنا. فلكل منا سلمى التي تخصه. وثمة فتاة تعيش كما سلمى.

اخترتها فلسطينية لأني نشأت على قوة وصلابة الفتاة الفلسطينية وجمالها وبهجتها وحبها للحياة رغم مدرارات الرصاص التي تلف حول رأسها. تربينا أن إسرائيل عدو، وستبقى عدواً طالما أحيا وسأخبر العالم بأني أكرهها وأنادي بأن كل من يحالفها عدو... لأن الأمور خرجت عن نصابها الحقيقي.

تقدم في كتابك نمطاً أدبياً مغايراً لما هو متداول وهو أدب الرسائل... ألم تخش من هذه المغامرة؟

لا أخشى أية مغامرة ما دمت درستها. لا أقدم الجاهز والمعلب، وأرى أن مهمتي كأديب أن أغامر قبل أن أقدم ما يطلبه السوق والنقاد. من حقي أن أبتكر نمطاً آخر وقالباً يناسبني. عندما أقدمت على تقديم عملي الأول المجموعة المسرحية «جزمة واحدة مليئة بالأحداث»، كان الجميع يخبرني بأني مجنون، فكيف أقدم عملي الأول من نوع المسرح فيما السوق يستوعب الروايات فحسب؟ صدقت نفسي وقدمت التجربة ونجحت ولاقت قبولاً من القراء وقدمنا منها أكثر من طبعة وترجمت لأكثر من لغة وقدمها شباب كثيرون كعمل مسرحي في مصر وخارجها.

أكتب كي أكون سعيداً. الكتابة حيلة لمقاومة الألم والمرض، وهي علاج، فأنا أعلم بما يناسبني. والحمد لله أعمالي تلقى قبولاً ونجاحاً من القراء والنقاد... فلماذا لا أغامر؟

هل تتوقع أن يكون كتابك بمثابة إعادة تدشين لهذا النمط الأدبي بعد أن اختفى لفترات طويلة؟

أتمنى، وأعتقد أنه سيكون وسيلة لكتابة جديدة تقدم لغة تشبه هذه المرحلة. سيأتي مغامرون آخرون يقدمون هذا الفن بطريقتهم. أنا لا أبتكره ولكني أعدته إلى الحياة بعدما اندثر وأصبحت الرسائل السائدة عبر «الإيميلات» و{الإنبوكس»... وهي لا تتسم بالرصانة ولا بلغة أدبية كما كانت الرسائل قديماً. نشأنا على هذا الفن في الصغر، فكنا نكتب ونحكي لأهلنا في الغربة. يعلم كل بيت وقع هذه الرسائل وأهميتها في الحياة. وأعتقد أنك عندما تأخذ هذه الوسيلة وتعمل عليها داخل نسق أدبي سيكون مفتاحاً لكتابة أخرى.

 

استغرق كتابك الأخير خمس سنوات حتى انتهيت من كتابته. لماذا كل هذا الوقت وهل قلة الإنتاج الأدبي تؤثر سلبياً على الأديب؟

فعلاً، ظللت أكتب فيه خمس سنين ولكنها فكرة قديمة تدور في رأسي ولم يكن لها شكل وكنت أكتب فيها ولا أعلم إلى أين سيأخذني هذا الطريق. فتحت ملف الكتاب وجدت فيه 147 نصاً... اخترت منه ما يناسب فكرتي وأنا من هؤلاء الذين يفتحون أكثر من ملف وأكثر من مشروع في الوقت نفسه. لا أتوقف عن الكتابة ولكن أنشر بشكل بطيء نسبياً وفقا لاختيار ما يناسبني.

ما العلاقة بين الكتابة الكوميدية التي احترفتها في أكثر من عمل درامي وإعلامي وبين الكتابة الأدبية الممزوجة بالشجن والرومانسية التي تقدمها لجمهورك؟

العلاقة هي أنها تمثلني كلها. أنا هذه الأنواع كلها. كان صلاح جاهين ملك البهجة يكتب الوجع. كتب صمويل بيكيت أنواعاً أدبية ودرامية مختلفة، كذلك ماركيز وخيري شلبي وإبراهيم أصلان... ثمة خندق كبير يعيش داخل كل كاتب يربي فيه كل شخوصه وأفكاره يخرج منها إلى العالم وقتما يريد. فثمة من يحب تربية القطط وثمة من يحب تربية الكلاب وثمة من يحب تربية الحيوانات المفترسة والعصافير في آن. أنا هذا الشخص. أحب تربية الأسود والعصافير. إذا اعتبرني الجميع مختلاً، فأحب أن أؤكد لهم أني مختل فعلاً... هذا العالم يجعلنا مختلين وبهلونات نضحك ونبكي.