تتسع ذاكرتي لأفلام كثيرة أدرك أصحابها مدى الضعف الذي تتمتع به، وينبئ بأنها لن تصمد في دور العرض طويلاً، ومن ثم هدتهم قريحتهم إلى إثارة موجة من الجدل العقيم حولها بغرض لفت الأنظار إليها، حتى لو أدى الأمر إلى تقديم بلاغ ضدها على غرار كاتب معروف اعتاد الترويج لرواياته، التي لا يعيرها أحد اهتماماً، بإبلاغ المؤسسات الأمنية والدينية ضدها، بحجة أنها تؤلب الرأي العام وتهدم الثوابت!

Ad

فيلم «المشخصاتي 2» واحد من هذه الأفلام، فقد استثمر بطله ومؤلفه ومنتجه، أزمته مع الرقابة، التي امتنعت عن استخراج تصاريح التصوير بسبب رفضه إجراء تعديلات أقرتها اللجنة الفنية على السيناريو، على رأسها تغيير أسماء شخصيات محورية لمحاكاتها شخصيات حقيقية لم يصدر حكم نهائي بإدانتها، وسعى إلى إقناع الجميع بأن حرية الإبداع في خطر، وأنه يُحاسب على مواقفه السياسية المؤيدة للرئيس السابق حسنى مبارك (!) قبل أن يُذعن للرقابة، ويتعهد بإجراء تعديلات على الأسماء، وهو التعهد الذي حصل بموجبه على الموافقة على التصوير، لكن الضجة التي واكبت قرار الرقابة ثم الدعاية المجانية التي تكفل بتوفيرها أحد مقدمي برامج الـ «توك شو» لفيلم صديقه، لم تنقذ «المشخصاتي 2» من مصيره المأساوي!

الأمر المؤكد أن من حق «تامر عبد المنعم» أن يصنع فيلماً يناهض ثورة 25 يناير التي أطاحت برئيس أحبه، ويمهد لثورة 30 يونيو التي أجهضت حقبة وجماعة كرهها من قلبه، لكن ليس من حقه أن يخدع الجميع بشيء لا يمكن النظر إليه كفيلم سينمائي بالمعنى المتعارف عليه، بل هو «بلاغ تقريري»، وترخّص أقرب إلى «تصفية الحسابات»؛ حيث لا مكان للخيال والإبداع، إنما مجرد نقل حرفي رديء عن الصحف ووسائل الإعلام التي أفاضت واستطردت في سرد وقائع تلك الأيام، وبعدها بأعوام استمرأت الحديث عن «المؤامرة» التي دُبرت بليل!

عناوين «المشخصاتي 2» تقول إننا حيال عمل كتب له السيناريو والحوار تامر عبد المنعم ومحمد أبو سيف، الذي باشر الإخراج، لكن في الواقع أننا بصدد ممثل أدرك أنه ضل طريقه إلى التمثيل فلم يجد سوى التقليد، الذي أتقنه ووقع في غرامه، سبيلاً وحيداً وأخيراً للبقاء على الساحة، فالعمل ليس إلا محاولة لتأكيد هذه المهارة، عبر تكرار شخصية «شلبي»، التي اخترعها في فيلم «المشخصاتي»، وتقمص فيها شخصيات من بينها: «أحمد زكي»، «عمرو دياب»، «عادل إمام»، «محمد فؤاد» لكنه استبدلها بشخصيات إخوانية: «محمد مرسي»، {خيرت الشاطر»، «محمد البلتاجي» و{أم أيمن» بعد التعتيم على أسمائهم الحقيقية تنفيذاً لقرار الرقابة، إذ تبدأ أحداث الفيلم بالشاب «شلبي»، عاشق التمثيل العاجز عن تسديد نفقات الحجرة التي يسكنها، ويتشبث بالفرصة التي جاءته للعمل مع المخرج «فرحات» (عبد الله مشرف) لتجسيد شخصية «مبارك» في فيلم «سواق الرئيس»، في وقت متزامن مع أنباء عن الإعداد لتظاهرات حاشدة يوم 25 يناير 2011 تتوعد قيادة أمنية لوزير الداخلية بإجهاضها، بينما تتعهد «آن باترسون»، السفيرة الأميركية في مصر، بإزالة أي عقبات تهدد الثورة، ومشهداً بعد الآخر يتابع  الفيلم انحيازه إلى «نظرية المؤامرة»، التي كانت سبباً في اندلاع الثورة، والإطاحة بنظام «مبارك»، عبر الجزم القاطع بأن الثورة «صنيعة أميركية»، وأن الإخوان استولوا عليها، بدعم من السفارة الأميركية التي امتلكت خيوط «اللعبة»!

في سذاجة وقلة حيلة يلجأ السيناريو إلى «محسن ممتاز» (يوسف شعبان) لتأهيل الشاب «شلبي» لاختراق «الجماعة»، على غرار ما فعل «رأفت الهجان» مع المجتمع الإسرائيلي، بكل ما في المقارنة من بشاعة ووقاحة، وبعدها يتحول الفيلم إلى «اسكتشات» قوامها روايات مرسلة وإشاعات ساذجة في تصفية للحسابات، وافتقار إلى الموضوعية، والاعتماد على المهاترات السياسية التي أفقدت الفيلم أي تعاطف، خصوصاً بعدما فتح نيرانه على حمدين صباحي، ممدوح حمزة، جورج إسحق، دومة والبرادعي متهماً إياهم بإشعال الحرائق، فيما قدم الملحن حلمي بكر في ثوب المناضل الذي استشرف المستقبل،  وترك لنا أغنيته الأيقونة «مطلوب من كل مصري»،  فيما كان ينبغي توجيه التحية لمؤلفها!

مع كل مشهد في الفيلم تشعر كأنك تُطالع الأرشيف الصحافي لتلك المرحلة، ولا تكاد تستشعر أن ثمة إبداعاً، باستثناء بعض الاجتهادات الفنية من المخرج محمد أبو سيف ومدير التصوير كمال عبد العزيز، كمشهد الصراع بين الملاك والشيطان لإغواء «شلبي»، ومشهد اختفاء مصر من الخريطة، والاستعانة بلقطات أرشيفية SHOT  STOCK  على درجة عالية من الجودة، فلا تستطيع التفريق بينها وبين اللقطات المصورة خصيصاً للفيلم، لكن المخرج محمد أبو سيف اختار مراعاة التطابق الشكلي للممثلين أكثر من الاعتماد على الموهبة، فكانت النتيجة أن عانى الفيلم هزالاً فنياً وإنتاجياً، فضلاً عن المباشرة، وطغيان {النميمة}، التي تنسف أي مصداقية!