«حارة مزنوقة»!

نشر في 27-01-2016
آخر تحديث 27-01-2016 | 00:01
 مجدي الطيب  يُشير عنوان الفيلم إلى عبارة جاءت ضمن خطاب ألقاه الرئيس السابق محمد مرسي، ومن ثم كان طبيعياً أن يتوقع المتلقي فيلماً سياسياً بالمقام الأول. غير أن الكاتب مصطفى حمدي، ومعه المخرج بيتر ميمي، ترددا كثيراً، وآثرا أن يُمسكا العصا من المنتصف، وكانت النتيجة أن أصبحا، ومعهم أبطال الفيلم، مثل الذين رقصوا على السلم، إذ فشلوا جميعاً في الوصول إلى صيغة تقترب بهم من صنع فيلم سياسي أو رمزي أو كوميدي أو حركة بالمفهوم البدائي لكل هذه الأنواع!

{حارة مزنوقة} في الفيلم هو اسم الحارة الشعبية التي يسكنها الأصدقاء الثلاثة: {نادر} (خالد حمزاوي)، {يوسف فطوطة} (أيمن منصور) و{شعبان العفريت} (أحمد فتحي)، الذين يراودهم حلم الثراء السريع. ومع تعرفنا إليهم قد نلتمس العذر للشاب {يوسف}، الذي يواجه مشاكل كبيرة في الفوز بدور يقنع من حوله بأنه ممثل ودارس للنقد، ويزفه إلى خطيبته {رندا} (مريهان مجدي)، ويُخلصه في نفس الوقت من شقته الغارقة في مياه المجاري. وربما نتعاطف مع {شعبان}، الذي يلقب نفسه بـ {حفيد الناجي}، ويتمنى الزواج من {سارة} (ولاء الشريف) لكن والدها {آدم} (سعيد طرابيك) يرفض، لأنه يطمح، ككل الآباء في السينما المصرية، في تزويج ابنته من رجل ثري. لكن أين المنطق في انحراف {نادر} خريج كلية الحقوق الذي يعمل بالمحاماة، وبدا خليطاً من {الأفوكاتو} و{اللمبي 8 جيجا}؟

إنه التلفيق، وقلة الحيلة، والعجز، والمبالغة الفجة التي وجدت لنفسها مكاناً في أكثر من موقف بالفيلم؛ فالأب {آدم} أميركي الهوى، لأسباب غامضة، وكي يعبر عن هذا الهيام العجيب يضع العلم الأميركي على باب الشقة، وعلى جدار غرفة  المعيشة، وعلى {اللاب توب}، وعلى الثلاجة، وعلى صدر {التي شيرت}، الذي ترتديه زوجته (هناء الشوربجي)، ويشجع كرة السلة الأميركية، وعندما نراه وقد وضع صورته على جدار الشقة، إلى جانب صور كلينتون وريجان وبوش الأب والابن وأوباما، وكأنه الرئيس القادم للولايات المتحدة، وليس مجرد مواطن يقتله حلم الهجرة إليها، نُدرك على الفور أنه مريض ومعتوه لكن الفيلم لا يُشكك في قواه العقلية، وإنما يقدمه بوصفه شخص سوي للغاية!

أما قلة الحيلة، والتلفيق، فيجدان لهما مكاناً في المشهد ثقيل الظل، الذي يسخر فيه الصديقان من ثالثهما {حفيد الناجي} بحجة أن العلاقة مفقودة بين عائلته وعزت العلايلي، الذي جسد دور {عاشور الناجي} في فيلم {التوت والنبوت} (!) والشخصية الدخيلة للمرأة السادية {صوفي} (بدرية طلبة) والعنصرية الكريهة في مشهد مشاجرة الفتاة الأجنبية في الفندق مع صديقها {مايكل} صاحب البشرة السوداء، ومحاولة {نادر} استغلال الموقف بأن يقدم لها نفسه كفرعون أصيل يتمتع بفحولة جنسية هائلة، على غرار ما فعل محمد صبحي في إحدى مسرحياته، وتماديه في ذلك إلى درجة وصف الشاب، وأبناء بشرته، بأنهم: {زبالة يا ماما بيشتغلوا سفرجية عندنا}، والقبح والغلظة في مشهد محاولة اغتصاب {نادر} في السجن! في حين اتسمت المبالغة الكوميدية في شخصية  الطبيب (إسماعيل فرغلي) الذي يصدم أهل المريض بحقيقة حالته، ويحزن كثيراً لأن العملية نجحت، بالطرافة؛ كحوارات {يوسف فطوطة}، وسخريته من بيته المهدم قائلاً: {جدران خليل جدران}، وبحثه عن الحجر الذي يتجنب به المجاري، ومشهد تعاطي الأصدقاء الثلاثة أقراصاً مُهيجة تسببت في طردهم من الملهى الليلي الذي التحقوا بالعمل فيه!

المفارقة المُدهشة أن المغزى السياسي لعنوان {حارة مزنوقة} لم يظهر سوى في الدقيقة 42 مع اندلاع الثورة في تونس، وهروب الرئيس زين العابدين بن علي، وصياح الشاب التونسي في أول ليلة حرية مثمناً كفاح الشعب التونسي، ثم الدقيقة 54 مع قطع الاتصالات في مصر، واقتحام السجون، وتحرير {الثلاثي}، الذين حكم عليهم بالسجن ثلاثة أشهر بتهمة تدمير الملهى الليلي. وبعدها يعود الفيلم إلى سيرته الأولى، حيث الأحداث العجيبة والحبكة التقليدية التي لا علاقة لها بالعنوان، حيث سيدة الأعمال {هايدي} (علا غانم)، التي تتاجر بالآثار، واستغلت الفوضى التي اجتاحت البلاد، وجشع وطمع الأصدقاء، لتُحكم سيطرتها عليهم، وتنجح، بفضلهم، في الاستيلاء على مئة مليون دولار، وتورطهم في جرائم تمس الشرف، كالاتجار بالآثار والعملة، بعدما كانت تهمتهم محصورة في الهروب الاضطراري من السجن. ولما اكتشفوا حجم الخديعة التي تعرضوا لها على يد المرأة، كانت المفاجأة أن الأجهزة الأمنية قبضت عليهم لتنفيذ حكم الثلاثة شهور، ولم تضع يدها على الجرائم الأخرى التي تقودهم، في حال اكتشافها، إلى حبل الإعدام!

سذاجة منقطعة النظير، وصدمة من دون حدود، رغم أن فكرة اللعب على{الحارة المزنوقة} كان يمكن أن تصنع فيلماً جاذباً، في حال تقديمها في صورة فيلم سياسي خالص أو عمل كوميدي بحت. لكن يبدو أن حداثة تجربة الكاتب مصطفى حمدي والمخرج بيتر ميمي حرمتنا من هذه المتعة!

back to top