العراق: معارك تمهيدية محدودة لتحرير الموصل
انشغلت المصادر الرسمية في بغداد، أمس، بالإعلان الحماسي عن انطلاق عمليات تحرير الموصل، لكن معظم الخبراء يقولون إنها ستبقى عمليات «محدودة» في الأطراف الجنوبية للمدينة التي يسيطر عليها تنظيم «داعش» منذ صيف ٢٠١٤، محذرين من ارتفاع الكلفة البشرية بين المدنيين العالقين في منطقة النزاع، وأيضاً من قدرة التنظيم على استخدام غازات سامة محلية الصنع في ضرب القوات العراقية.ويقول الخبراء إن العملية حتى كتابة هذا التقرير، تأتي لتأمين مقر عسكري مهم يوجد فيه الضباط الأميركيون العاملون مع الجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية، مشيرين إلى ارتباطها بمقتل جندي أميركي في ١٩ الجاري بمعسكر مخمور بنيران «داعش».
وسبق أن أعلن مطلع العام الحالي أن منطقة مخمور الفاصلة بين أربيل والموصل من الجهة الجنوبية، باتت مكان لقاء نادر بين الجيش العراقي والبيشمركة الكردية والتحالف الدولي، بغياب الحشد الشعبي (الشيعي)، وبتنسيق مع متطوعي عشائر سنية محلية، كما وصف البعض هذا المقر العسكري بأنه «أول قاعدة أميركية» يتم إنشاؤها منذ انسحاب الجيش الأميركي نهاية ٢٠١١، نظراً لعدد الأميركيين ونوع تجهيزاتهم هناك.وبينما يبث الإعلام الحكومي معلومات بلهجة حماسية عن «عمليات تحرير الموصل»، يكتفي الخبراء بالقول إن الجيش نجح في عبور نهر دجلة من منطقة القيارة وحمام العليل جنوب الموصل، ما يمثل تقدماً مهماً، خصوصاً أنه سيقطع بعض خطوط إمداد «داعش» المهمة بين الموصل شمالاً والرمادي وسط العراق.أما قرار الدخول إلى الموصل نفسها، التي تبعد نحو ٥٠ كم عن المعارك الحالية، فمن المرجح أن يبقى مؤجلاً لأنه بحاجة إلى استعدادات مختلفة. وسبق لمحافظ نينوى السابق، أثيل النجيفي، أن قال في حوار مع «الجريدة» إن الأسلوب التقليدي في الحرب على «داعش» من شأنه تدمير مدينة الموصل التاريخية، وذلك ليس من مصلحة أي طرف، متوقعاً أن تقوم القوات العراقية بالسيطرة على الضواحي ومحاصرة المدينة، تمهيداً لـ»انتفاضة داخلية» ضد «داعش».ووصفت مصادر سياسية طريقة تعامل الإعلام الحكومي مع العملية بكونها «تهويلاً» قد يهدف إلى صرف النظر عن الاعتصامات التي ينظمها أتباع مقتدى الصدر في العاصمة ضد الحكومة، بعد جدل بشأن تعديل وزاري من شأنه أن يضع أهم الملفات بيد حزب الدعوة، ويهمش حلفاءه الشيعة.لكن النقاشات الحساسة التي سترافق العمليات تتعلق بالكلفة البشرية الآخذة في الازدياد بين المدنيين، من الموصل إلى الفلوجة المحاذية لبغداد.فقد تعرضت جامعة الموصل مطلع الأسبوع إلى قصف بالطائرات استهدف مقار لـ «داعش» هناك، لكنه أوقع نحو ١٠٠ مدني بين جريح وقتيل في حي سكني خاص بأساتذة الجامعة وملاصق لها، وهي أول عملية ينفذها التحالف الدولي في العراق، وتوقع هذا العدد من الضحايا المدنيين.وترى مصادر عسكرية أن المدفعية الأميركية لا تقل خطراً عن الطائرات، وقد استخدمت بكثافة في قاطع مخمور والقيارة الذي تقطنه تجمعات سكانية ريفية وحضرية، ما يعني وقوع المزيد من الخسائر في صفوف الأهالي، ويكشف صعوبة قرار خوض معركة كبيرة في الموصل التي يقطنها نحو مليون ونصف المليون نسمة، عجزوا عن الخروج منها بسبب قيود «داعش».ويتزامن هذا مع مجاعة تفتك بالمدنيين في الفلوجة جنوباً، الأمر الذي جعل بعض القوى السياسية تطالب بتدابير جديدة لتخفيف معاناة العوائل العالقة في مناطق الحرب، لما لذلك من أثر على مستقبل العلاقة السياسية بين الأهالي والحكومة ودول التحالف نفسه.