أروى الوقيان... وانتصار العمل الإنساني

نشر في 13-04-2016
آخر تحديث 13-04-2016 | 00:01
 طالب الرفاعي ما يتفق عليه النقاد اليوم؛ أن لا شكل محددا للرواية، وأن ليس من موضوع أو حالة بعينها تصلح في الكتابة الروائية أكثر من غيرها. لذا فمن المؤكد أن الزميلة أروى الوقيان كانت متنبهة لعدم تجنيس عملها الأخير في خانة الرواية. لذا جاء إصدارها؛ "فلتكوني بخير" عن الدار العربية للعلوم ناشرون، بطبعته الأولى 2016، دون أن يكون ممهوراً بكلمة رواية.

أروى الوقيان تمثل نموذجاً لافتاً بين أبناء جيلها. فقد حرصت منذ إطلالتها الأولى على الحياة الثقافية أن تقدم نفسها بشكل مختلف. آمنت بفكر وفكرة، وبهما اختطت لنفسها الطريق. وكم يصدق فيها قول الشاعر الكردي سركون بولص، في ديوانه "الأول والتالي" حين يقول:

"هذا طريق من سار عليه

أضاع أمه وأباه

وأضاع الأول والتالي".

لقد رهنت أروى نفسها لفكر العمل الإنساني بعيداً عن أي حسابات بائسة. وسارت وراء فكرة الذهاب إلى آخر المشوار، وألا تكتفي بالقراءة والمتابعة ولا حتى العمل التطوعي الإنساني داخل الكويت. بل ذهبت أبعد بكثير من ذلك حين جندت نفسها، بالرغم من كل العقبات التي وقفت في طريقها، لتكون في موقع وبؤرة الحدث، ولتقدم مساعدتها وتواصلها مع الآخر يداً بيد، وعطفا بعطف، ووجعاً بوجع.

"فلتكوني بخير" يأتي على شكل رسائل وكتابات وتقارير يخطها صحافي كويتي؛ فارس بن عثمان، لدكتورة كويتية؛ ريم.

علاقة حب ربطت بين قلب الشاب فارس، العاشق للعمل الإنساني، وبين دكتورة جامعة الكويت ريم. في مكالمتها الأولى يقول لها: "أشعر كثيراً بأن هذه المدينة تخنقني بطابعها الاستهلاكي، بمجمعاتها المليئة ببشر يأكلون ويتسوقون طوال الوقت... نميمة وثرثرة. لا شيء يبهجني هنا. أشعر كأني في عالم غير حقيقي. (ص 22) لكن، ومنذ أيام العلاقة الأولى جاءت شوكة البعد لتنبت في خاصرة الدكتورة وفي خاصرة العلاقة. وحين سألت الدكتورة فارس: "لماذا تختار أماكن خطيرة... ألا تخاف؟" أجابها: "على العكس، أرى في وجوه المتعبين والملفوظين من أوطانهم والمضطهدين الكثير من الراحة". (ص 22).

أزعج ريم وآلمها أن يبتعد عنها فارس وأن يكون بقرب الموت. شغل بالها أن تكون هانئة في الكويت، ويكون فارس متنقلا بين بقاع العالم الأكثر جوعاً وبؤساً وخطراً. وربما دار ببالها أن تمتحن حب فارس لها؛ بأن تضع حبه لها في كفة وتعلقه بالسفر والخطر في كفة أخرى. هي المعادلة الموجعة حين يختار فارس العمل الإنساني الخطير دربا للحياة من دون ريم.

تعلق فارس ريم كما لم يتعلق أي فتاة أو امرأة في حياته، وطار أمانيه بها بعيدا وهو يتصورها حبيبته وزوجته. لكن، ولأن عشق العمل الإنساني، وعشق الوجود في بؤرة الحدث الأكثر اشتعالا كان يعيد إليه توازنه ويشعره بوجوده الإنساني الأجمل. فلقد خطا فارس برجُل في حبه لريم، وبالرجل الأخرى ظل سائراً على دربه في معايش الأحداث الإنسانية والكتابة عنها.

"فلتكوني بخير"، عبارة يرددها فارس في كتاباته وحنينه لحبيبته ريم، التي جمعته قصة حب معها، لكنها سرعان ما ابتعدت لتعيش حياتها التي اختارت، وتركته نهباً للشوق والألم.

وهنا يرتفع السؤال: كيف لعشق امرأة أن يكون حاضراً وحارقاً لهذه الدرجة؟ وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار كون فارس الإنسان قد نذر نفسه لمعايش حياة الصعاب، من الكويت إلى لبنان فالصومال فسورية فاليمن فالنيبال ففلسطين فجيبوتي فبلاد كثيرة، فكيف بهذه الحياة بكل تلاوينها، أن تكون عاجزة عن أن تنسيه عشقه لريم؟ أم تراه مكتوبا عليه أن يبقى موزعا بين وجع وجع؟

أروى الوقيان تبدو شديدة الشبه بنفسها وهي تكتب عن نماذج بشرية كثيرة نذرت عمرها للعمل الإنساني. من هنا فإن هذا الكتاب هو إضافة جديدة في طريق قناعة وعمل أروى الفكري والإنساني.

back to top