أيَّدت محكمة التمييز، برئاسة المستشار أحمد العجيل، براءة المتهمين في قضية «هاشتاق بطارية»، ورفض الطعن المقام من النيابة العامة، على خلفية اتهامهم من النيابة العامة، بالإساءة إلى الذات الأميرية.

Ad

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن الطعن بطلب إلغاء حكم البراءة، والقضاء بإدانة المتهمين، والمطالبة بمعاقبتهم، لا تستند إلى صحيح القانون، لعدم قبول الاتهام بحق المتهمين.  وفيما يلي نص حيثيات حكم المحكمة:

أكدت محكمة التمييز أن الطعن  المقام من النيابة العامة، والذين تنعى على الحكم المطعون فيه، إنه إذ قضى بتأييد الحكم المستأنف الصادر ببراءة المطعون ضدهم من تهمتي الطعن علنا في حقوق الأمير وسلطاته والعيب في ذاته والإساءة عمدا في استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية، وببراءة المطعون ضده الأول من تهمة إذاعة أخبار كاذبة ومغرضة عمدا حول الأوضاع الداخلية لدولة الكويت، وكان من شأنها إضعاف هيبة الدولة، واعتبارها والإضرار بمصالحها القومية، أخطأ في تطبيق القانون، وشابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال، ذلك بأن العبارات التي تم تناولها على مواقع التواصل الاجتماعي تنطوي على المساس والعيب في ذات سمو أمير البلاد، والطعن في سلطاته، وأن القصد بها، هو شخص أمير البلاد، كما أن ما نُسب إلى المطعون ضده الأول من تناوله الأمور الداخلية، وإذاعة أخبار كاذبة، واصفا الوضع في البلاد بالعبارات محل الاتهام، من شأنه إضعاف هيبتها واعتبارها والإضرار بمصالحها القومية، وهو ما تتوافر فيه أركان الجرائم المسندة إلى المطعون ضدهم، ويقتضي إدانتهم عنها، لكن الحكم قضى ببراءتهم، ما ينبئ عن اختلال فكرة المحكمة عن موضوع الدعوى، والإحاطة بعناصرها عن بصر وبصيرة، ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

بلوغ الغاية المستهدفة بالجريمة

وأضافت المحكمة: «وحيث إن المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970، بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، نصَّت على أن: «يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام أو في مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر، في حقوق الأمير وسلطته أو عاب في ذات الأمير، أو تطاول على مسند الإمارة»، فقد دلت على أن المشرع تطلب لقيام الجريمة الواردة في هذا النص بركنيها؛ المادي والمعنوي، أن يأتي الجاني الفعل - الطعن في حقوق الأمير أو سلطته أو العيب في ذاته أو التطاول على مسند الإمارة- اما في مكان عام، أو مكان يستطيع فيه سماعه أو رؤيته من كان في مكان عام - وهو ما تتوافر به العلانية، وفق المكان، وأن يكون هذا الفعل من شأنه بلوغ الغاية المستهدفة بالجريمة، مع علمه بما فعله من أثر في تحقيق هذه الغاية، وأن توافر القصد الجنائي فيها أو عدم توافره من مسائل الواقع الذي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيه بغير معقب، ما دامت تقيم قضاءها على ما ينتجه، كما نصَّت المادة 15 من القانون رقم 31 لسنة 1970 -المار ذكره- على أن: «يعاقب بالحبس المؤقت الذي لا تقل مدته عن ثلاث سنوات كل كويتي أو مستوطن في الكويت أذاع عمدا في الخارج أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكان من شأنه ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها أو باشر بأية طريقة كانت نشاطا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد».

وأشارت إلى أنه يلزم لقيام الركن المادي في جريمة إذاعة الأخبار والبيانات الكاذبة المعاقب عليها بتلك المادة، أن يقوم الجاني- الذي يفترض أن يكون كويتيا أو مستوطنا في الكويت- ببث الأخبار أو البيانات أو الإشاعات غير الصحيحة أو المحرفة خارج البلاد على نحو يؤدي إلى تداولها وانتشارها بين عدد غير محدد من الناس، وأن يكون من شأن ذلك إضعاف هيبة الدولة واعتبارها والإضرار بالمصالح القومية للبلاد، كما يلزم لتوافر القصد الجنائي في هذه الجريمة، أن يكون الجاني عمد بث البيانات أو الإشاعات على النحو المتقدم بيانه، مع علمه بما ينتج عنها من أضرار. وكان الأصل وفقا للمادتين 36 و37 من الدستور، هو حرية الفكر وإبداء الرأي، بما في ذلك حق النقد، والاستثناء هو القيد، ولا يجوز أن يمحو الاستثناء الأصل أو يجور عليه أو يعطله، بل يجب أن يقتصر أثره على الحدود التي وردت به، وأن النشر والنقد المباح، هو الذي لا يتضمن بث أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة خارج البلاد على نحو يؤدي إلى تداولها وانتشارها بين عدد غير محدد من الناس، ولا يكون من شأنها إضعاف هيبة الدولة واعتبارها والإضرار بالمصالح القومية للبلاد، فإذا لم يتجاوز النشر والنقد هذه الحدود، فإنه لا محل لمؤاخذة المسؤول عنه، باعتباره مرتكبا للجريمة سالفة البيان المنصوص عليها في المادة 15 من القانون رقم 31 لسنة 1970، بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء.

وأضافت «التمييز»: «لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على الحكم الابتدائي- المأخوذ بأسباب، والمكمل والمؤيد بالحكم المطعون فيه- أنه بعد أن بين واقعة الدعوى، كما صورتها سلطة الاتهام، واستعرض الأدلة التي ركنت إليها، وحصل دفاع المطعون ضدهم الحاضرين الأول والثاني والرابع والخامس بانتفاء أركان الجرائم المسندة إليهم، وعدم جدية التحريات وعدم دستورية نص المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970، وخلص إلى القضاء ببراءة المطعون ضدهم تأسيسا على قوله: وحيث إنه عن التهمتين الأولى والثانية، المسندتين إلى جميع المتهمين، ولما كان قصد المشرع من نص المادة 15 من القانون رقم 31 لسنة 1970 سالف البيان، هو إضفاء الحماية الجزائية لشخص المجني عليه- سمو أمير دولة الكويت- من صور الاعتداء اللفظي على حقوق سموه وسلطاته الدستورية أو العيب في شخصه، من ثم فلابد أن تكون العبارات محل التجريم الموجهة إليه ذات دلالة قاطعة على أنه مقصود بها بغير تعسف في الفهم والاستنتاج، وإذ كانت النيابة العامة قدمت المتهمين إلى المحكمة الجزائية، لأن كل واحد منهم دوَّن في حسابه بموقع تويتر على الإنترنت العبارات المسيئة إليه والمشار إليها سلفا في شهادة ضابط الواقعة- التي اطلعت عليها المحكمة ضمن مرفقات الدعوى- وكانت المحكمة لم تتبين منها ما يشير إلى أن المقصود منها هو سمو أمير البلاد صراحة، من ثم بات الاتهام المسند إليهم على غير سند من الواقع والقانون، وتقضي المحكمة ببراءتهم من هاتين التهمتين، إذ إن الثانية تدور وجودا وعدما مع الأولى، ملتفتة عما جاء بشهادة ضابط الواقعة، من أن سمو الأمير يضع بطارية لعلاج أحد أعضائه، لأن ما جاء بها ليس إلا معلومات شخصية خاصة به لا تعول عليها المحكمة في إثبات صحة الاتهام للمتهمين.

التهمة الثالثة المسندة

إلى المتهم الأول

قالت «التمييز»: «أما عن التهمة الثالثة المسندة للمتهم الأول، بنص المادة 15 من القانون سالف البيان، فإنه لما كان أحد شروط الجريمة، سالفة البيان، هو أن يقوم الجاني، عمدا، بإذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، وكانت التحقيقات خلت من أن العبارات التي دوَّنها المتهم الأول (الوضع في البلد صار تعبان، قتل، فساد مؤسسات، فساد حكومة، تحويلات ملايين، اعتقالات بدون، الشعب محتاج احترام وعدل) في حسابه بـ «تويتر» تم تداولها خارج الكويت بعد كتابته لها، من ثم تكون الجريمة فقدت أحد أركانها، ما يتعيَّن معه، والحال كذلك، القضاء ببراءته منها، عملاً بنص المادة 172/2 من قانون الإجراءات الجنائية».

وبينت: «كما أضاف الحكم المطعون فيه إلى ذلك، قوله: وحيث إنه عن موضوع الاستئناف، ولما كان عماد الاتهام المطروح في أوراق الدعوى قبل المتهمين، إنما يتمثل في شهادة الضابط بجهاز أمن الدولة، وما توصلت إليه تحرياته، من أن العبارات التي دوَّنها كل متهم في حسابه بموقع التواصل الاجتماعي، التي عرض لها الحكم المستأنف مقصود بها شخص سمو أمير البلاد، وكانت المحكمة ترى من خلال اطلاعها على تلك العبارات، أنها لم تشر من قريب أو بعيد إلى شخص سمو الأمير، وأن اتخاذ المتهمين لرمز البطارية في كتاباتهم ليس فيه دلالة على أن سموه هو المعني بها، وقد أنكر المتهمون ذلك، من ثم، فإن ما خلص إليه ضابط الواقعة في شهادته، لا يعدو أن يكون محض استنتاج شخصي لا تقوى على حمله الأوراق، ولا دليل فيها يسانده».

استئناف قائم على غير أساس

ولفتت المحكمة إلى أنه متى كان ذلك، وكانت الجريمة المسندة للمتهمين، وهي الطعن علنا في حقوق أمير البلاد وسلطاته والعيب في ذاته والجريمة المسندة للمتهم الأول، وهي إذاعة أخبار كاذبة تتعلق بالأوضاع الداخلية للبلاد من شأنها إضعاف هيبة الدولة والإساءة إلى سمعتها والإضرار بمصالحها القومية، كلاهما من الجرائم العمدية التي تستلزم توافر القصد الجنائي العام، بما يستلزمه من توافر ركني العلم والإرادة لدى المتهمين، وإذ ضنت أوراق الدعوى عن حمل دليل، يفيد بأن شخص سمو أمير البلاد هو المعني بتلك العبارات، وأن المتهمين قصدوا الإساءة إلى شخصه أو الطعن في ذاته، كما خلت من دليل على اتجاه قصد المتهم الأول الإساءة إلى سمعة البلاد، أو الإضرار بمصالحها القومية، وقد أقرَّ المتهم المذكور بأنه يبغي في ذلك النقد صالح البلاد، وهو ما تنتفي به أركان الجرائم موضوع الاتهام في حق المتهمين، وتضحى الواقعة بمنأى عن التأثيم القانوني، وإذ التزم الحكم المستأنف هذا النظر، وكان استئناف النيابة العامة لم يأتِ جديد ينال من سلامة ذلك القضاء، فإنه يكون قائما على غير أساس، وتقضي المحكمة برفضه موضوعا، وتأييد الحكم المستأنف عملاً بنص المادة 208 من قانون الإجراءات الجنائية.

وأوضحت أنه لما كان ذلك، وكان من المقرر أن العبرة في المحاكمات الجزائية، هي باقتناع قاضي الموضوع، بناءً على الأدلة المطروحة عليه، بإدانة المتهم أو ببراءته، وأن وزن أقوال الشاهد وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع بغير معقب، وكان يكفي في المحاكمات الجزائية، أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم، لكي تقضي له بالبراءة، ما دام الظاهر من حكمها، أنها محصت الدعوى، وأحاطت بظروفها وبأدلة الثبوت فيها عن بصر وبصيرة، ووازنت بينها وأدلة النفي، فرجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة في صحة عناصر الإثبات، وأقامت قضاءها على أسباب تحمله وتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، وحسبها أنها أبانت في حكمها، إحاطتها بالدعوى وظروفها، ولا يعيبها أن تكون أغفلت الرد على بعض أدلة الاتهام ذلك، لأنها ليست ملزمة بالرد على كل دليل من الأدلة التي قام عليها الاتهام، لأن في إغفال التحدث عن بعضها ما يفيد ضمنا، أنها أطرحتها، ولم ترَ فيها ما تطمئن معه من إدانة المتهم، وكان مجموع ما أورده الحكم الابتدائي، وما أضاف إليه الحكم المطعون فيه في مدوناته من أسباب- على السياق المتقدم- يكشف أن المحكمة لم تقضِ بالبراءة، إلا بعد أن أحاطت بوقائع الدعوى، وتفطنت إلى أن الأدلة التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة، فداخلتها الريبة والشك في عناصر الاتهام للأسباب السائغة التي أوردتها، والتي لا تخرج عن الاقتضاء العقلي والمنطقي، ومن شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها.

وقالت: إن ما تثيره الطاعنة في طعنها لا يعدو أن يكون مجادلة في تقدير محكمة الموضوع لأدلة الدعوى، وفي استنباط معتقدها، ما لا يقبل إثارته أمام محكمة التمييز.

لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس، متعيناً رفضه موضوعاً.