لم يكن قرار وزارة الأشغال وقفَ مناقصة مبنى الركاب الجديد بمطار الكويت بعد رفض ديوان المحاسبة ترسية المشروع على الشركة المختارة لارتفاع السعر، بالجديد أو المفاجأة، فقد تعرض هذا المشروع للعديد من الانتكاسات منذ بدء التخطيط له في 2004، وفشلت وزارة الأشغال في إنجازه، حيث استغرقت دراسته 6 سنوات، ودفعت الدولة 10 ملايين يورو إلى مكاتب الاستشارات الهندسية، وعندما طُرِح المشروع في 2013 تم وضع قيود على الشركات المتقدمة لتنفيذه، وتأجل مرة أخرى، ثم أعيد طرحه في نوفمبر 2014، وتمت ترسيته على شركة "ليماك" التركية بسعر خيالي وصل إلى مليار و316 مليون دينار.
ورغم أن هذا العطاء الذي تقدمت به الشركة التركية يزيد بأكثر من 388 مليون دينار عن التكلفة التقديرية، ورغم الأصوات الكثيرة التي نادت بضرورة إعادة النظر في هذا السعر، فإن وزارة الأشغال أصرت على المضي قدماً في تنفيذ المشروع إلى أن أوقفها ديوان المحاسبة، ليتواصل العرض المستمر لمسلسل بناء المطار الجديد لمدة 12 عاماً وتتحمل الدولة أعباء مالية إضافية في كل طرح جديد، ويبقى المطار القائم عاجزاً عن تلبية احتياجات الأعداد الكبيرة التي تدخل وتخرج من البلاد يومياً كما أنه لم يعد يليق بالكويت مقارنة بمطارات الدول المجاورة لا الأوروبية.وفي حقيقة الأمر لا يختلف اثنان على وجود تلاعب يحدث في الكثير من المناقصات التي يتم طرحها من قبل الوزارات، حيث إنه في الغالب يتم تفصيلها وترسية معظمها على شركات متنفذة ومدعومة بطرق ملتوية من خلال التلاعب في الشروط ومعرفة عطاءات الشركات الأخرى وتقديم أسعار أقل منها بكثير لدرجة أن بعض المناقصات يتم فيها ضرب الأسعار بأرقام كبيرة تثير علامات الاستفهام، حيث يتم الترتيب مع بعض القائمين عليها بمبدأ "نفع واستنفع" ولعل إلغاء لجنة المناقصات المركزية لعدد من المناقصات يعد دليلاً صارخاً على تلاعب المتنفذين الذين يضربون بمصالح الدولة عرض الحائط من أجل مصالحهم الشخصية.والغريب في الأمر أن المسؤولين أنفسهم يشكون من التلاعب في المناقصات ويشكلون لجاناً للتحقيق في ترسية بعضها على شركات بعينها مثلما حدث مع مناقصة المطار وبرج "مبارك" الذي وضعت له كلفة تقديرية 7 مليارات دينار، ومناقصة أثاث مبنى مجلس الأمة الجديد، والذي قدرته الأشغال بـ10 ملايين دينار، في حين أن كلفته الحقيقية مليونان و99 ألف دينار، ومناقصات المستشفيات التي شهدت تلاعباً بالأرقام وغيرها من المناقصات التي أهدرت الملايين من المال العام.وفي الوقت الذي يتكبد فيه الاقتصاد الكويتي خسائر كبيرة الآن بسبب هبوط أسعار النفط بطريقة جنونية فإن الدولة مطالبة بأن تكون أكثر حزماً مع المتربحين من المال العام، وأن تقوم الأجهزة المختصة بوقف هذا التلاعب بالمناقصات، وأن تكون هناك شفافية في الطرح والترسية على الشركات وعدم تمكين المتنفذين من الفوز بالمناقصات الكبيرة والصغيرة، كما يجب أن تكون هناك دراسات تؤكد مدى القدرة على استكمال بعض المشاريع العملاقة التي تم رصد ميزانيات ضخمة لها، أو فليتم تأجيلها أو حتى الغاؤها.إن بداية الإصلاح تتمثل في الاعتراف بالخطأ، وهو أن هناك تلاعباً في الكثير من المناقصات الحكومية، وآن الأوان أن يتم استبعاد الفاسدين الذين تحوم حولهم الشبهات ومحاسبتهم ليكونوا عبرة للآخرين، كذلك لابد أن يكون هناك أسلوب جديد في تصميم وطرح المناقصات والاعتماد على المعايير الدولية في مجال الكشف عن عمليات التلاعب والتفاهمات والتربيطات التي يمكن أن يتورط فيها البعض، مع ضرورة تشكيل فريق عمل يضع نصب عينيه مصلحة ومستقبل الكويت، فيقوم بدراسة كيفية سير المناقصة منذ بداية طرحها حتى ترسيتها... والله ثم الوطن من وراء القصد.
مقالات
فساد المناقصات
30-01-2016