قيام الكويت بالوساطة بين دول مجلس التعاون والجمهورية الإيرانية هو عين العقل، وأمر مستحق الآن أكثر من أي وقت مضى قبل هذه الوساطة التي تتم خطواتها الأولى عبر رسائل من سمو الأمير للقيادات الخليجية، ينقلها وزير الداخلية، بفرض صحة الأخبار الصحافية، كانت هناك إشارات إيجابية نحو "حلحلة" الوضع الخطر في المنطقة، فالانتخابات الإيرانية أنتجت قادة هم أقرب للوسط وأكثر اعتدالاً ممن سبقهم، وفي الجانب الآخر من ضفة الخليج نسب للأمير تركي الفيصل أن المملكة العربية السعودية مستعدة للحوار الكامل مع إيران، وكذلك نقلت وسائل الإعلام أخبار دعوات التهدئة والحل السلمي في اليمن، بعد أن تأكد للجميع أن المدنيين الأبرياء هم الذين يدفعون ثمن حرب القبليات، وأن اليمن بتركيبته القبلية ووعورة تضاريسه لا يمكن أن يخرج منه أحد كطرف منتصر، وأن الصلح هو سيد الأحكام.

Ad

في جنيف مفاوضات السلام عن سورية تجري ببطء، وليس لنا غير أن نطرق أبواب الأماني للسلام، ويعرف كل الأطراف الذين يتحاربون بالوكالة أنه أيضاً هناك مثل اليمن صيغة لا غالب ولا مغلوب ستكون الحاكمة على الطريقة اللبنانية، ومهما قلنا عن دموية وإجرام النظام الحاكم فهذا لم يعد مجدياً بعد قيام التنظيمات الإسلامية المتطرفة، مثل داعش والنصرة، بتشويه وجه المعارضة السورية التي بدأت سلمية، وبفضل النظام الأسدي ودواعش الكهوف أضحت في وضعها المزري الآن... وإذا كانت هناك تصورات لفدراليات في سورية والعراق فما المانع ما دامت الثقافة المهيمنة تصر على رفع الأعلام القبلية الطائفية المتعصبة! "فبلقنة" وضعها الدولي أفضل ألف مرة من أنهار الدماء وحروب الجوع السائدة هناك.

وضع دولنا الاقتصادي مع تردي أسعار برميل النفط، وتنامي العجوزات المالية، وانتقال حالة بنوكنا من مستقر إلى سيئ من جانب، والسياسة الأميركية التي عبر عنها الرئيس أوباما، والتي باختصار تقول "أنتم وشأنكم" في قضاياكم وحروب عشائركم الدينية، التي تجاوزتها معظم الأمم المتحضرة من قرون، طالما إسرائيل بخير، من جانب آخر، كلها ظروف تملي على دول الخليج أن تلتفت لحالها لتصلح بيتها الداخلي، وتطرق أبواب الحوار مع الجار الإيراني، فنحن لا نملك أن نغير واقع جغرافيتنا، ولا يصح أن ننصت لأصوات التطرف المتشنجة التي لا تعرف العقل والمعقول، والذين لو استمعنا لنشازهم فخيارنا المتبقي سيكون هو الوضع الصومالي أو اليمني أو الليبي، فهل هذا ما يريدون؟! من جديد تذكروا حكمة "رحم الله امرأ عرف قدر نفسه".