ترانيم أعرابي: حركة عمل

انتشرت بعد حرب تحرير الكويت حركات سياسية كثيرة في الكويت من حركة "حدس" مروراً بالمنبر الديمقراطي والتحالف الوطني والحركات الشيعية السياسية، وأحداث إنشاء حزب الأمة كأول حزب سياسي في الكويت وانتهاء اليوم بالحركات الشبابية (حدم) و(نهج) و(السور الخامس) و(كافي).

هذه الحركات والتيارات السياسية تجيد رفع الشعارات والخطابات الجماهيرية، بل لديها خطط واستراتيجيات عندما يطلع عليها المتابع يشعر أننا مقبلون إما على تنمية حقيقية في البلد أو ثورة كالثورة الفرنسية والثورة البرتغالية في أوكرانيا وأحداث الربيع العربي.

كنت ممن شارك المظاهرات التي تمت في الكويت بعد حادثة ضرب النواب في ديوان الحربش مروراً بساحات الإرادة والبلدية والصفاة، وأذكر أنني في كل تجمع من التجمعات كنت أخوض حديثاً جانبياً مع فئات مختلفة من الناشطين السياسيين حول الحلول التي يرونها في المستقبل، وكانت الحلول دائماً ترتبط بالواقع السياسي، وفي ردة فعل النواب تحديداً.

السؤال الذي يتبادر للذهن هل هؤلاء النواب جزء من اللعبة السياسية في الكويت أم أنهم أصغر من المرحلة فصاروا جزءاً من اللعبة دون قصد؟ منذ استقالة الشيخ ناصر المحمد بعد تجمع ساحة الإرادة الشهير لم نجد تحركاً واضحا للأغلبية التي تفتقد المشروع الإصلاحي، خصوصاً بعد أن أوصلهم الشعب للبرلمان، فعلى الرغم من هشاشة هذه المجموعة كتيار معارض، نجدهم يفتقرون للخطة والأهداف الواضحة، فيوماً نجد رئيس الوزراء الشعبي على رأس الأولويات وتارةً إصلاح النظام القضائي وأخرى الاقتصاد والتنمية.

أعتقد أن عدم وجود خطة واضحة المعالم تحمل أولويات المرحلة هي أساس الخلل، فالشعارات الفضفاضة الواسعة كالقضاء على الفساد أو صراع أقطاب السلطة أو من الذي يعرقل التنمية كلها جعجعة لن تؤتي طحيناً، فإما تعرية الأمور أو الانتقال إلى مرحلة أخرى وتنظيم الأوراق والعمل كقوى وطنية بعيداً عن المصالح الفردية للجماعات على الأقل خلال المرحلة الحالية.

منذ عقود لم تشهد الكويت تطوراً على جميع الصعد، وعلى الرغم من ذلك شهدت تجمعات سياسية كثيرة قادتها مجموعات وتيارات مختلفة ابتداءً من دواوين الاثنين مروراً بمجلس 1994 القوي وانتهاء باستقالة حكومة الشيخ ناصر المحمد، كل هذه الأحداث على حدة الطرح فيها إلا أن الوضع يزداد سوءاً وينحدر أكثر، والسؤال المهم هو: لماذا؟

نحتاج لحركة عمل أفرادها يؤمنون بالمبادئ ولا يقدسون الرموز، حركة أساسها التنظيمي هو الانتقال بالوطن إلى مرحلة تنموية جديدة، فالتضحيات تصنع المعجزات، والكويت تعج بالاقتصاديين الأفذاذ والسياسيين الأحرار والاجتماعيين المخلصين، كل هؤلاء لو طلب منهم المساهمة في وضع استراتيجية لخطة تنموية واضحة الأركان لفعلوا دون مقابل بدل صرف ملايين الدنانير على مستشارين يرسمون خطط المصالح الخاصة.

نحتاج إلى حركة عمل تحارب الفساد في جميع مستوياته، وتقول كلمة الحق، وتنظر للأمور من جميع الزوايا ثم تختار زاوية الصواب، حركة تؤسس على أن التقديس للمبدأ وحرية التعبير والمساواة دون النظر لطائفة الكفاءة وسمعة عائلته وحتى مدى التزامه بدينه وإخلاصه لجماعته! حركة عمل لا ترضى بأن تكون حضارة البلد عبارة عن مبان خرسانية خاوية من الكفاءات والعقول، حركة تبني وطناً وتخط طريقا نحو القمة كما فعل اليابانيون حين رسموا للأجيال خريطة الوصول إلى التميز.

حركة عمل ببساطة لا تفعل ما يفعله السياسيون في الكويت اليوم ممن يشكرون الله على أوضاعهم يوماً ويلعنونها في اليوم الذي يليه، حركة عمل هي الخلاص لمشاكلنا، لأنها تقدس الحق فقط ولا تعترف بالخطوط الحمراء التي يضعها الفساد أمامها، حركة عمل تعري الفاسد والقطب والتيار بكل قوة إذا امتلكت الدليل وتيقنت من فساده، أما تصريحات نوابنا الكرام عن أقطاب ورموز وحيتان فلا تسمن ولا تغني من جوع! لأن الاتهام عند الكثيرين منهم مبني على المزاج لا الدليل.

شوارد:

"أسمع جعجعة ولا أرى طحينا"