تظاهرات الجمعة الفائتة ببغداد اعتُبِرت بداية لتهدئة بين رئيس الحكومة حيدر العبادي وزعيم التيار الصدري، المختلفَين، بنحو غير مسبوق، على مفهوم التعديل الوزاري، وسط أزمة اقتصادية تقارب الانهيار، لكن مقتدى الصدر فاجأ الجميع بتصعيد جديد السبت، ما يؤشر إلى خلل في الوساطات الجارية بينهما.

Ad

وكان الصدر يهدد منذ أسبوعين باقتحام مقار الحكومة في المنطقة الخضراء، إذا لم يوافق العبادي على الأخذ برأي الخبراء العراقيين في عملية الإصلاح الحكومي، متهماً إياه بمحاولة التفرد بالسلطة تحت شعار التعديل الوزاري، ثم تنازل الصدر مؤقتاً ونقَل مكان التظاهرات إلى ساحة التحرير التي يفصلها نهر دجلة عن مقر السلطة.

غير أن المراقبين لاحظوا أن رئيس الوزراء تجاهل تهدئة الصدر إلى حد بعيد في خطاباته العلنية، وظل يتحدث عن نفسه كقائد للجيش يريد التخلص من ضغط الأحزاب.

ومجمل هذا جعل الصدر يشعر بالقلق، لذلك قرر تنظيم اعتصام أمام بوابة مقر الحكومة طبقاً لبيان السبت، لكنه عملياً منح العبادي مهلة أسبوع فلم يقرر الاعتصام فوراً، بل ابتداءً من الجمعة المقبلة، وهي صيغة اعتصام غير مألوفة عند جماهير الصدريين خصوصاً.

ولعل سبب شعور الصدريين بالقلق هو أنباء تتسرب عن محاولة العبادي بناء تأييد برلماني يكفي لتمرير حكومته الجديدة في البرلمان عبر آلية «النصف زائد واحد»، وحينئذٍ سيبقى الصدر وحده في المعارضة، ولن يحصل على شيء، ورغم أنه من المستبعد أن يوافق زعيم المجلس الأعلى عمار الحكيم على تفكك تحالفه مع الصدر بهذه الطريقة كتحالف العوائل النجفية التاريخية الذي يعارض تمدد نفوذ إيران ونفوذ رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، فإن تفكير العبادي بخيار كهذا من شأنه أن يقلق الصدر ويزعزع ثقته بكل الضمانات التي قيل إن طهران قدمتها لزعيم التيار الصدري كي يقوم بالتهدئة مع العبادي.

ولا يبدو أن العبادي مقتنع بالتنسيق مع الصدر في هذه المرحلة، لأن الصدر استخدم تعبيرات قد يفهم منها أنه يريد فعل كل شيء لأخذ منصب رئيس الوزراء من حزب الدعوة الذي احتفظ به طوال 12 عاماً، ولذلك من المرجح أن نرى خطوات تصعيدية أخرى، إذا لم تخرج المرجعية الدينية في النجف عن صمتها وتتقدم بمبادرة أو وساطة، إذ لا ضمان لنجاح الوساطات الأخرى حتى لو كان جنرال الحرس الثوري قاسم سليماني طرفاً فيها، ولعل ثمن التصعيد هذه المرة أن يكون الجميع أمام مفاجأة من قبيل تقديم العبادي استقالته إلى رئيس الجمهورية، لأن ظهور اعتصام حاشد أمام بوابات المنطقة الخضراء كأسلوب احتجاج يجري للمرة الأولى، قد يحمل معه تطورات لا أحد يمكنه دفع ثمنها.