وماذا عن «إخوان إردوغان»؟

نشر في 17-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 17-01-2016 | 00:01
 ياسر عبد العزيز سأنتقد كل تجاوز للقانون وكل انتهاك لحقوق الإنسان في مصر أو تركيا أو أي بلد آخر في العالم، لكن ما أريده هو أن يفعل من ينتقدون «مسار 30 يونيو» ويعادونه الأمر ذاته؛ أي ألا يكيلوا بمكيالين، ولا يستخدموا معايير مزدوجة.

في شهر إبريل من عام 2014، دعت الحكومة الروسية "إدوارد سنودن" لحضور منتدى دوري يحضره الرئيس "بوتين" عادة، حيث يقيم حواراً مع كبار المدعوين من الشخصيات الدولية والمحلية البارزة، من دون بالطبع أن يتعرض للضغط، أو يتوقع أن يسمع سؤالاً محرجاً.

كان "سنودن" قد فر من الولايات المتحدة، التي يحمل جنسيتها، بعدما سرب وثائق وتسجيلات خطيرة، حصل عليها أثناء عمله في وكالة الأمن القومي الأميركية، وهي الوثائق التي كشفت قيام واشنطن بالتجسس والتنصت على شخصيات أميركية وأجنبية، من بينها قادة ورؤساء ودبلوماسيون من دول أخرى.

بوصفه لاجئاً في روسيا لم يكن من المفترض أن يقوم "سنودن" بإثارة امتعاض السلطات الروسية أو إشاعة القلق من وجوده في البلاد.

لكن "سنودن" فعل شيئاً غريباً؛ إذ وجه السؤال التالي إلى الرئيس الروسي: "هل تقومون بإدارة برنامج لمراقبة الاتصالات الفردية للمواطنين الروس؟ وإذا كان هناك من يفعل ذلك في أجهزة الأمن الروسية، محتمياً بقانونية التسجيلات، فهل تجد له مبرراً أخلاقياً؟".

وسواء كانت إجابة "بوتين" عن سؤال "سنودن" بالإيجاب أو النفي، فإن السؤال سيظل أكثر أهمية بمراحل من الإجابة.

هذا بالضبط ما أراد "سنودن" أن يفعله؛ أي أن يطرح السؤال المهم، على الرجل المعني، وفي المكان والوقت المناسبين.

كتب "سنودن" مقالاً في "واشنطن بوست"، غداة حضوره هذا المؤتمر، أوضح فيه أنه يعلم أنه مجرد "لاجئ" في روسيا، وأن روسيا ليست بلده، وأنه ربما كان واثقاً من أن "بوتين" لن يجيب جواباً واضحاً عن سؤاله، لكنه أراد فقط طرح السؤال، للبرهنة على قيمة معينة.

يقول "سنودن" إنه برر لنفسه تسريب المعلومات الخاصة بوكالة الأمن القومي لبلاده، وبات متهماً بالخيانة والتجسس وتبديد الممتلكات الحكومية، وأصبح مطارداً مشبوهاً وسمعته على المحك، من أجل ما يعتقد أنه مبدأ لا يمكن التراجع عنه؛ أي الدفاع عن الحريات الشخصية وحق الأفراد في الخصوصية.

ولم يكن من اللائق بالنسبة إلى "سنودن" أن يعيش في روسيا في مأمن من ملاحقة السلطات الأميركية، من دون أن يثير الأسئلة نفسها ويدافع عن القيم ذاتها وبشكل علني، ومهما كان الثمن.

لا يبدو لي أن كثيرين من الذين ينطلقون من منصات إقليمية ودولية لمهاجمة "مسار 30 يونيو" في مصر اهتموا بما يقوله "سنودن" أو أظهروا حرصاً على ضرورة أن "يتسقوا أخلاقياً" قبل أن يعبروا عن مواقفهم السياسية.

فجر أول أمس الجمعة، داهمت عناصر أمنية تركية بيوت أكثر من 20 أستاذاً جامعياً، وألقت القبض عليهم، واقتادتهم إلى أماكن التحقيق.

التهم التي وجهتها السلطات لهؤلاء الأساتذة خطيرة، ويمكن أن تحرمهم من حريتهم لسنوات طويلة، وهي تهم تتضمن "الترويج والدعاية للإرهاب"، و"إهانة مؤسسات الدولة"، و"إهانة الجمهورية". لا يمثل هؤلاء الأساتذة سوى نسبة قليلة جداً من نحو 1200 أكاديمي قاموا بالتوقيع على عريضة تحمل عنوان "من أجل السلام"، وتطالب السلطات بالكف عن استخدام العنف وقتل المعارضين وسجنهم من دون محاكمات عادلة.

لقد ندد الأساتذة الجامعيون والمثقفون بتلك "الجرائم"، التي ترتكبها قوات الأمن والجيش ضد المدنيين في مناطق مختلفة من البلاد، وهي الجرائم التي أدت إلى مقتل نحو 170 مدنياً منذ شهر أغسطس الماضي، بحسب منظمات حقوقية.

إضافة إلى ذلك، فإن الحكومة التركية تفرض حظراً للتجوال في بعض المناطق التي ينشط فيها الأكراد عسكرياً، وتقوم بترحيل آلاف المدنيين من سكانها إلى مناطق أخرى بدعوى "مواجهة الإرهاب".

ورغم أن عدداً من المثقفين والأكاديميين الأجانب البارزين؛ مثل نعوم تشومسكي، انضم لهذه النخبة الأكاديمية، وقام بالتوقيع على العريضة، فإن إردوغان اعتبرهم جميعاً "خونة".

نعم "خونة"... هذا هو المصطلح الذي استخدمه الرئيس في التعبير عن رأيه في هؤلاء المثقفين، الذين طالبوا بإجراءات قانونية "سليمة وعادلة" في مقاربة الاضطرابات الأمنية التي تشهدها البلاد، بل إن الرئيس اتهم هؤلاء المثقفين أيضاً بأنهم "طابور خامس"، ودعا القضاة إلى "الحزم" في مواجهتهم عبر إصدار "أحكام قضائية رادعة".

ليس هذا فقط، لكن الرئيس، الذي أغلق عدداً من وسائل الإعلام، وأوعز لرجال أعمال مقربين منه لشراء عدد آخر منها، وتقوم السلطات التابعة له بمراقبة التفاعلات على وسائط التواصل الاجتماعي، وتغلق بعضها، يريد أيضاً أن يجري تعديلات دستورية تزيد من صلاحياته وتخصم من صلاحيات البرلمان.

يظهر الرئيس التركي إصراراً كبيراً على مهاجمة الحكومة المصرية، ويمعن في إظهار "استبدادها وتنكرها لمبادئ الديمقراطية"، لكن تلك الاتهامات نفسها، بما فيها انتهاك حقوق الإنسان، وقمع الإعلام، والاستخدام المفرط للقوة، توجه إليه وإلى حكومته.

إن الحكومة المصرية؛ مثلها مثل حكومات أخرى كثيرة في دول متقدمة ومتخلفة، تنتهك حقوق الإنسان، وتقمع حرية التعبير، ولا تحارب الفساد على نحو مقبول، وترد دلائل وإشارات عديدة على أنها "تقتل وتحتجز خارج سلطة القانون"، تذرعاً بـ "محاربة الإرهاب"، الذي يستهدفها ويستهدف المواطن المصري، ويفرض عليهما تحديات كبيرة.

لكن الذي يريد أن ينتقد الحكومة المصرية، وأن يدفعها إلى تعديل سياساتها واحترام القانون وحقوق الإنسان، عليه أولاً أن يمتلك الأساس الأخلاقي المناسب لذلك... وإلا فليصمت.

قبل أيام، اضطر الرئيس التركي إردوغان للتعليق على حادثة إعدام المعارض الشيعي السعودي نمر النمر؛ فقال: "إنه شأن داخلي سعودي".

المجلس الاستراتيجي السعودي- التركي، ومليارات الدولارات التي تدخل الخزينة التركية من عوائد السياحة والتجارة والاستثمار، جعلت إعدام النمر "شأناً داخلياً".

لكن الحرص على دعم "الإخوان" في مصر، والحقد على "مسار 30 يونيو"، والاستهانة بإرادة المصريين، جعلت من حكم إعدام مرسي، الذي لم ينفذ بعد "مذبحة للقانون والحقوق الأساسية".

من جانبي، سأواصل انتقاد كل تجاوز للقانون، وكل انتهاك لحقوق الإنسان في مصر قبل تركيا وأي بلد آخر في العالم.

لكن ما أريده هو أن يفعل من ينتقدون "مسار 30 يونيو" ويعادونه الأمر ذاته؛ أي ألا يكيلوا بمكيالين، ولا يستخدموا معايير مزدوجة.

* كاتب مصري

back to top