صبر الخليج طويلاً على بوائق الجار الإيراني الذي لم يصن الجوار، بل كان أشبه بثعلب يترصد الثغرات في البيت الخليجي والعربي، ليتسلل عبرها ويعربد في أرضها متخذاً، بقوة المال والسلاح، أعواناً فاسدين، ويزرع خلايا تخريبية!

Ad

قالت العرب قديماً "بكل واد أثر من ثعلبة" ينطبق هذا المثل على "ثعلبة" زماننا، دولة ولاية الفقيه تتسلل عبر ميليشياتها، وخلاياها، ومخالبها، ووكلائها، ولوبياتها، وأموالها، وأسلحتها إلى كل منطقة، حتى في أميركا الجنوبية، ولا عجب إذا وجدت حسينيات في نيجيريا وبانكوك! ودائماً حيث حلت دولة ولاية الفقيه حلت الفتن الطائفية والفرقة بين مكونات المجتمع الواحد، وعمت الفوضى السياسية والصراعات الداخلية، فتصبح الدولة المنكوبة لا تملك أمرها، مثالها لبنان ودويلة حزب الله التي تفرض هيمنتها على القرار السياسي والأحكام القضائية: إطلاق سراح سماحة مؤخراً، وعلى مطار بيروت الدولي!

دولة تتدخل في كل مكان، وتسيس كل شيء: المساجد، والحسينيات، والمدارس والجامعات، والحوزات الدينية، والحج، بل حتى السياح الذين ترسلهم، يأتون حاملين أجندة سياسية معينة، لا شيء يفلت من نفوذها السياسي الذي لا يرحم، لا تتورع عن التعاون حتى مع أعدائها "القاعدة" لبسط نفوذها وهيمنتها وتمكينها في المنطقة العربية، ومؤخراً اعترف قائد الحرس الثوري، الجنرال جعفري، بوجود 200 ألف مقاتل يرتبطون بالحرس الثوري في 5 دول عربية وإسلامية، غير خلاياها النائمة التي تحركها متى أرادت!

لدولة ولاية الفقيه تاريخ مشين في الاعتداءات على السفارات وحرق الأعلام واحتجاز الدبلوماسيين رهائن، هناك سجل أسود موثق بـ17 اعتداء عبر 37 عاماً، كلما اختلفت مع دولة، أوعزت إلى سفهائها بحرق سفارتها واحتجاز دبلوماسييها، حتى إذا تعالت الاستنكارات العالمية تبرأت وتظاهرت بمحاكمتهم في لعبة مكشوفة لا تكاد تنتهي! هذه هي طبيعة هذا النظام "الثوري"، فالثورة تعني، طبقاً للدكتور بهجت قرني، عدم احترام السيادة الوطنية للدول الأخرى، وعدم احترام القواعد الدولية والدبلوماسية، وخطف الدبلوماسيين والاعتداء على السفارات... إلخ.

لا مشكلة للعرب والخليج مع الشعب الإيراني المغلوب على أمره والمقموع، مشكلتنا مع هذا النظام الذي لا يكف أذاه عن شعبه ولا عن جيرانه، لأنه، وطبقا للكاتب الكويتي خليل علي حيدر، قوة قمعية بالداخل وتوسعية بالخارج.

حكايتنا مع دولة ولاية الفقيه حكاية جار سيئ، لم تفلح معه كل أساليب التفاهم، ولم تنجح معه جميع محاولات احترام قواعد الجوار ولغة الحوار والتعايش بالحسنى على امتداد 4 عقود! فكان لا بد للخليج، بعد أن فاض به الكيل، أن يتصدى ويواجه باللغة التي تفهمها هذه الدولة جيداً، لغة "الحسم" وعاصفة "الحزم" التي قطعت المخلب الإيراني في اليمن.

لقد صبر الخليج طويلاً على بوائق هذا الجار الذي لم يصن الجوار، بل كان أشبه بثعلب يترصد الثغرات في البيت الخليجي والعربي، ليتسلل عبرها ويعربد في أرضها متخذاً، بقوة المال والسلاح، أعواناً فاسدين، ويزرع خلايا تخريبية! كان لا بد للخليج أن يتحمل مسؤولياته وحده ولا يعتمد على الحليف الأميركي الذي وقع اتفاقاً مع النظام وأطلق يده في المنطقة، ليصعد ويتباهى بهيمنته على 4 عواصم عربية، كان لا بد من مواجهة التصعيد الإيراني بتصعيد عربي حازم يحد تمدده ويضعف نفوذه، كان الاتفاق بمثابة إشارة خضراء للنظام بالتمدد تحت غطاء دولي بعد دعم قدراته المالية، ورفع العقوبات لتحقيق مشروعه الإقليمي للتوسع، طبقا لوحيد عبدالمجيد، لقد كانت إيران قاب قوسين من تحقيق حلمها بالسيطرة على باب المندب، لكن عناية الله تعالى أولاً، والحزم الخليجي العربي ثانياً، قطعا الحلم الإيراني وبددا استثمارات إيران العسكرية في اليمن، فلا يفلّ الحديد إلا الحديد، وطبقاً لمشاري الذايدي فإن حصاد 4 عقود من الجيرة السيئة كان مراً.

ختاماً: لطالما روج اللوبي الإيراني لسلمية النظام ورغبته في الحوار، وشنعوا على العرب حوارهم مع إسرائيل ورفضهم لإيران! ولطالما راهنت الإدارة الأميركية على براغماتية النظام وتغيير سلوكه الإقليمي بعد رفع الحصار، وتأتي الحوادث الأخيرة: حرق السفارة السعودية، والحكم على خلية العبدلي بالكويت، وكشف التنظيم الإرهابي في البحرين، واحتجاز البحَّارة الأميركيين، وتصريح الجنرال جعفري، والسباق المحموم لشراء الأسلحة، لتنسف كل الرهانات على أي أمل في تغيير هذا النظام أو تأهيله.

* كاتب قطري