الخطوة التي أقدم عليها حزب صالح محمد مسلم، بدفع من روسيا ومن نظام بشار الأسد الذي بات يلفظ أنفاسه الأخيرة، لا يمكن أن يكتب لها النجاح فإعلان "فدرالية" من قبل طرف واحد لا هو مؤهل ولا يملك أي حق أو شرعية، وحول اختلاس لحظة تاريخية مريضة تمر بها سورية هو بمنزلة زرع "لغم" من المنتظر أن ينفجر في أي لحظة لتشتعل نيران حرب طاحنة قد تمتد إلى الدولتين المجاورتين، أي تركيا والعراق، وتصل انعكاساتها لتشمل أي تواجد للأكراد في الإقليم كله! وهذا سيكون بمنزلة كارثة من الضروري التنبه لها من الآن.

Ad

وهناك مشكلة كردية في العديد من دول هذه المنطقة، أسست لها مؤامرة "سايكس- بيكو" الشهيرة والمعروفة، وهناك حق للأكراد يجب أن يحصلوا عليه لا ينكره إلا عديم الرؤية المستقبلية الواضحة، لكن هذا يجب ألا يعني وفي كل الحالات أن يبادر تنظيم خرج من دهاليز مخابرات نظام بشار الأسد ودهاليز المخابرات السورية إلى اغتنام خلل طارئ في معادلات المنطقة، ويعلن الانفصال عن دولة عربية ستستعيد وحدتها الوطنية لا محالة ولحسابات إقليمية ودولية لا علاقة للأكراد بها لا من قريب ولا من بعيد.

ولعل ما يجب إيضاحه، ونحن بصدد الحديث عن هذه المؤامرة، التي ستثبت الأيام كم كانت خطوة انتحارية مسيئة للأكراد، أكثر من غيرهم، إن ما قام به صالح محمد مسلم كان بإيعاز روسي للضغط على تركيا، وبإيعاز من نظام بشار الأسد على أساس "إما أنا وإما من بعدي الطوفان"... وهذا يجب أن يفهمه الأكراد الذين لا شك في أن لهم حقوقاً، ولكن من مصلحتهم ألا يستغلوا ظرفاً مريضاً ليأخذوها بهذه الطريقة، وكمحصلة لصراعات إقليمية ودولية من الواضح أنها لن تستمر طويلاً، وأن نهايتها ومهما طالت ستكون قريبة.

ثم وإن هذه المجموعة التي وضعت نفسها، وبالتالي وضعت الأكراد، على مفترق طرق الصراعات الإقليمية والدولية، لا يحق لها أن تدعي تمثيل هذا الشعب العظيم، فهناك من هم أكثر تمثيلاً لهذا الشعب منها، يشاركون الآن في مفاوضات جنيف، من خلال وفد المعارضة السورية، وهؤلاء كانوا أعلنوا وواصلوا الإعلان أنهم جزء من الشعب السوري، وأن مستقبل سورية يقرره هذا الشعب بكل فئاته ومكوناته وليس المناورات والمؤامرات والألاعيب الروسية وغير الروسية.

وهكذا فإنه يجب أن يدرك بعض المتعاطفين مع هذه الخطوة التآمرية الانتحارية أن هناك في التاريخ الكردي الفارق في المآسي والويلات شيئاً اسمه "جمهورية مهاباد" التي أنشئت على أساس معادلة مؤقتة لنتائج الحرب العالمية الثانية بين الاتحاد السوفياتي وإيران الشاهنشاهية، لكن هذه الجمهورية مع أنها كانت حقاً للأكراد إلا أنها ما لبثت أن انهارت بعدما تفاهم الإيرانيون والسوفيات على تقاسم الغنائم، والحفاظ على تلك اللعبة الدولية القذرة التي اسمها اتفاقيات سايكس - بيكو.

إن من يقرر صيغ ما بعد نظام بشار الأسد هو الشعب السوري كله، وفي أجواء ديمقراطية مريحة، وبعيداً عن الصراعات الإقليمية والالأعيب الدولية، ولذلك فإن هذه "الفدرالية" التي تم الإعلان عنها بقرار روسي للضغط على تركيا لا يمكن أن تستمر، والسبب أن الإعلان عنها وفي هذا الوقت هو مؤامرة واضحة وضوح الشمس، وثانياً ان التلاعب بحدود الدول كان دائماً وأبداً ينتهي بحروب طاحنة، وهنا فإنه على من يريد التأكد من هذه الحقيقة أن يرجع إلى كتب التاريخ المتعلقة بالحروب الألمانية – الفرنسية!