الحدود الجديدة لمعدلات الفائدة السلبية

نشر في 20-02-2016
آخر تحديث 20-02-2016 | 00:01
عندما يتصرف صناع السياسة والبنوك بخوف عند تبنّيهم معدلات الفائدة السلبية، فإن لديهم حقاً لتوخي الحذر، إذ ستكون تلك المعدلات السلبية مغامرة أكثر من التيسير الكمي نفسه.
 بلومبرغ • عندما تبدأ البنوك المركزية في استكشاف عوالم غريبة جديدة لا تكون النتائج دائماً مثالية، فلم يكن التيسير الكمي مجرد تغير في السياسة النقدية بل كان نوعاً جديداً تماماً من تلك السياسة، كان رحلة في أعماق المجهول، ولم تصل حصيلته الى نهايتها بعد، ولكن ثمة مجادلة حول سلبياته وعواقبه غير المقصودة.

ومع عدم التوصل حتى الآن الى حل لهذه المسألة بدأت مغامرة جديدة في السياسة النقدية الفضفاضة بصورة فائقة تتعلق بمعدلات الفائدة السلبية، فخلال الأسبوع الماضي، ومع الهبوط الذي شهدته الأسواق العالمية ازدادت المضاعفات غير المتوقعة.

وقد شهدت الأسهم في البنوك الأوروبية حصيلة سيئة بصورة خاصة خلال هذه الاضطرابات المتجددة في الأسواق، وكان هناك أكثر من سبب وراء ذلك المسار، ولكن يبدو أن درجة من التعقيد حدثت في مجال معدلات الفائدة السلبية.

وتحصل ايداعات البنوك في البنك المركزي الأوروبي على نسبة تصل الى ناقص 0.3 في المئة الآن كما تم الإعلان عن مزيد من الخفض في الشهر المقبل، وتهدف هذه الفكرة الى تشجيع البنوك على تقديم المزيد من القروض الى العملاء (بدلاً من الاكتفاء بترك الأموال من دون تشغيل في ميزانياتها) إضافة الى خفض تكلفة رأس المال بالنسبة الى المقترضين الذين يتسمون بقدر أكبر من المخاطرة. ويتمثل القلق الجديد في أن معدلات الفائدة السلبية قلصت أرباح البنوك وعرضت سلامتها وملاءتها للشك والتساؤل.

معدلات الفائدة السلبية

قد يكون دعاة معدلات الفائدة السلبية تعرضوا لحالة من الإرباك نتيجة هذا الضغط الواضح على أرباح البنوك، وربما يتساءلون: لماذا يجب أن يحدث ذلك؟ ويتعين على البنوك – ببساطة – تحميل معدلات الفائدة السلبية للشريحة المتنوعة من العملاء والمقترضين من جهة وللمقرضين من جهة اخرى.

ولا يتعين تغيير الفارق بين الجهتين، ولكن يبدو أن البنوك كانت مترددة في فرض معدلات الفائدة السلبية على مودعيها، ولذلك حدث الضغط على الأرباح، وربما تشعر البنوك بقلق ازاء احتمال عدم قبول المودعين بهذه الخطوة، ومضايقتهم مسألة تتردد البنوك في الإقدام عليها لأسباب يمكن فهمها.

ومن جهة اخرى، يبدو أن صناع السياسة يشعرون بقلق أيضاً بسبب ذلك، وقد أذهل بنك اليابان في الآونة الأخيرة الأسواق المالية من خلال تبنيه لمعدلات فائدة سلبية بعد أن أعلن في وقت سابق أنه لن يقدم على مثل تلك الخطوة، ولكنه وضع هذه السياسة الجديدة بحيث يتمكن من العمل في هامش ميزانيات البنوك مع البنك المركزي، والسؤال هو ما السبب وراء ذلك؟ والجواب هو حتى لا تعمد البنوك الى نقل هذا التغير الى المودعين.

ويتصرف صناع السياسة والبنوك على حد سواء بخوف وهم يتبنون معدلات الفائدة السلبية، وهم على حق في توخي الحذر، وسوف تكون معدلات الفائدة السلبية مغامرة أكثر أهمية من التيسير الكمي نفسه.

وكما ذكرت في وقت سابق فإن عالم معدلات الفائدة السلبية هو مكان غريب جداً – وهو المكان الذي تدفع فيه شريحة الموفرين المال الى المقترضين من أجل ارجاء الاستهلاك ويحصل المقترضون على تعويض من خلال تقديم عمليات الانفاق، وقد شرحت مقالة في مجلة الايكونوميست البريطانية هذا الوضع أيضاً بقولها إن "الموفرين الصغار سوف يستخدمون أي شكل من الدفع المسبق من قسائم، وهدايا، واشتراكات طويلة الأجل وبطاقات نقل في المدن أو بطاقات هواتف جوالة، وذلك بغية تفادي تكلفة ايداع الأموال في البنك".

بداية الفوضى

وسوف تمثل تلك الحالة بداية الفوضى، وإذا ظلت معدلات الفائدة سلبية لفترة طويلة كافية فسوف تظهر شركات أمن متخصصة تعمل على اقامة ملاذات من أجل تخزين المبالغ النقدية نيابة عن المودعين الكبار ونقل التحويلات بين حسابات عملائها، وسوف تسعى الشركات الى تقديم الدفعات بسرعة وتلقيها بصورة بطيئة، كما أن مكاتب الضرائب سوف تعمل على عدم تشجيع تسويات فورية، وقد قررت مقاطعة سويسرية وقف الخصومات لدفعات الضريبة المبكرة وقالت إنها تريد تأجيل تسلم الدفعات الى أطول مدة ممكنة.

تلك الفقرة تبدو مقبولة تماماً، ولكن ماذا عن عدم الدفع على الإطلاق؟ سوف يتكيف الناس مع القواعد والقوانين الجديدة في نهاية المطاف، ولكن المشكلة، على أي حال، تكمن في أن ذلك سوف يثير مسألة الحصيلة المنطقية وراء ذلك السلوك.

الحرص على المبالغ النقدية، أمر يمكن التعامل معه، ومن قبيل التذكير نقول إن تطبيق معدلات الفائدة السلبية سوف يجعل الاحتفاظ بالمال أفضل من ايداعه في البنك واحتمال تحول الناس الى النقد يجعل من الصعب خفض معدلات الفائدة الى أقل من الصفر، ثم إن تكلفة الاحتفاظ بالمبالغ النقدية (اضافة الى احتمال تعرضها للسرقة) يوفر مساحة للمناورة، وفي ما هو أبعد من ذلك فإن البنوك يمكن أن تعمل على عدم تشجيع استخدام النقد من خلال خفض قيمته.

المخاطر السياسية

تقويض العملة الورقية ينطوي على عواقب سياسية في أحسن الأحوال، وصحيح أن التضخم يقوض قيمة العملة الورقية، وبالتالي فإن هذه الظاهرة ليست جديدة، ولكن لا يوجد بنك مركزي يستطيع القول "نحن لا نستطيع رفع معدل التضخم الى درجة اعلى بطرقنا العادية، ولذلك قررنا تقويض العملة بصورة مباشرة ".

وعلى فرض أن البنوك تجرأت على القيام بتلك الخطوة فإن الاحتمال الكبير أن يفضي ذلك الى نتائج عكسية تماماً، وقد أظهرت البنوك المركزية أن الحد الأدنى لمعدلات الفائدة يصل الى أقل من الصفر، كما أنها أظهرت أن القدرة على الاحتفاظ بالنقد لن يصلح أي خطوط حادة كما كان يعتقد في السابق.

وقد يكون في وسع البنك المركزي الأوروبي جعل معدل الايداع لديه أكثر من سلبي بقدر قليل، وفي حقيقة الأمر كان ذلك هو ما وعد به في مارس الماضي، كما أن في وسع مجلس الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة دفع معدلات الفائدة نحو مزيد من السلبية أيضاً على الرغم من أن رئيسة المجلس جانيت يلين قد أبلغت الكونغرس الأميركي في الأسبوع الماضي أنها تظن ان تلك الخطوة لن تكون ضرورية.

ولكن على الرغم من ذلك كله فإن مساحة المناورة في هذا الشأن محدودة، وفي حقيقة الأمر فإن الحد الأدنى لمعدلات الفائدة يشمل الجوانب الثقافية والسياسية، ونحن الآن على مقربة من ذلك الحد، ولكننا لا نعلم الآن مدى قربنا من تلك النقطة.

كليف كروك Clive Crook

back to top