ثورة الشيخ بشير الحارثي (4-4)

نشر في 03-03-2016
آخر تحديث 03-03-2016 | 00:00
 خليل علي حيدر بذل السلطان "خليفة بن سعيد" حاكم زنجبار كل ما بوسعه للاستفادة من "ثورة الشيخ بشير الحارثي"، كما فشلت محاولاته بالتقرب من الألمان، وقد كتب إليه المستشار "بسمارك" في سبتمبر 1888 مقترحاً التعاون بين سلطنة زنجبار العربية والحكومة الألمانية للسيطرة على الثورة، وكان رد السلطان بأن لا علاقة لسلطنة زنجبار بما تعانيه "شركة شرق إفريقيا الألمانية" وبما يجري على الساحل، كما اشتكى السلطان من الممارسات الألمانية وفرض قوانين وأنظمة لم يألفها السكان، وتطرق لبعض الأعمال الألمانية غيبر المنضبطة تجاه المساجد الإسلامية، وكذلك عدم احترام العلم السلطاني، الذي اعتبر أن من أسباب الاضطرابات تنزيله ورفع علم الشركة بدلا منه.

 ووافق "الرايخستاغ" الألماني على اقتراح المستشار الألماني "بسمارك" بفرض حصار بحري بحجة أن المحرضين على الثورة من تجار الرقيق، وخوفا من انفراد الألمان بالإجراء شاركت بريطانيا في الحصار كذلك، حيث "وافق السيد خليفة مرغماً على مشروع الحصار الألماني– البريطاني، وأصدر مرسوماً بهذا الشأن، كما أعلن عددا من المراسيم بشأن محاربة الرق وتجارة الرقيق".

وحاول الشيخ بشير تغيير منطقته، غير أن سيطرته على الموقع لم تدم طويلاً، حيث كان في مرمى المدفعية الحربية،

واختلطت في هذه المرحلة مشاكل تجارة الرق مع قضايا التبشير والتنصير، كما قُتل في مارس 1889 عدد من رجال الإرساليات وأسر عدد منهم، ثم عقدت معاهدة صلح مؤقتة، وعرضت على الشيخ امتيازات سياسية من قبل السلطان والألمان لم تنجح في إنهاء الثورة، كما خصصت الحكومة الألمانية مليوني مارك لتمويل حملة عسكرية إلى شرق إفريقيا بقيادة "هيرمان فون ويسمان" Wissmann للقضاء على الثورة ومحاربة تجارة الرق.

 يقول د. بنيان تركي: "منح بسمارك الصلاحية المطلقة لـ"ويسمان" للتعامل مع الرافضين للهيمنة الألمانية بما فيها استخدام العنف، مع ملاحظة أن ويسمان الذي عرف عنه كرهه لتجار الرقيق وقسوته شرح لـ"الرايخستاغ" الألماني في يناير 1889م أنه يعتقد جازما "بأن الحل الأوحد للتعامل مع الثوار على الساحل يكمن في استخدام القوة لفرض الهيمنة والنفوذ الألماني، وكانت الإشاعات قد سرت في سلطنة زنجبار العربية أن مقدم "ويسمان" من الممكن أن يؤدي إلى إعلان الحماية الألمانية على زنجبار". فلم يعتمد الألمان على جنودهم في قمع الثورة، بل عمد القائد إلى دعم قوته من مصادر أخرى.

ويضيف د. تركي: "زار ويسمان في طريقه لشرق إفريقيا مصر من أجل تجنيد سودانيين للعمل معه في المهمة المكلف بها، وكانت أولى المهام التي قام بها الميجور ويسمان هي إعداد قوة عسكرية من المرتزقة لمواجهة ثورة الشيخ "بشير الحارثي" ومناصريه، ومن المفيد الإشارة إلى أن الحكومة البريطانية ساعدت الحكومة الألمانية على تجنيد المرتزقة... وترتّب على المساعدة البريطانية أن تمكن ويسمان من جمع أكثر من 900 مرتزق أغلبهم من المناطق التابعة للنفوذ البريطاني (600 جندي سوداني من القاهرة و200 من قبائل الزولو من موزمبيق و50 صوماليا و80 جنديا وطنيا من سلطنة زنجبار العربية و20 تركيا بالإضافة إلى 60 ضابطا ألمانيا وفرتهم الحكومة الألمانية لقيادة المرتزقة".

هاجم الشيخ بشير مع ثواره "دار السلام" و"باغامويوا" مع اقتراب ويسمان، وأعلن الألمان من جانبهم الأحكام العرفية وحدثت معارك بين الطرفين. كانت قوات الألمان إلى جانب السفن والمدافع تتجاوز ألف رجل "تشمل 320 أوروبياً بمن فيهم 200 بحار ألماني و80 من قبائل الزونو و600 سوداني وعدة مئات من السود من أهل البلاد".

ويضيف الباحث: "لجأ ويسمان لاتباع سياسة الهجوم السريع الخاطف والقتل والتنكيل أو ما يطلق عليه سياسة "القبضة الحديدية" وبالفعل عمل ويسمان على إبادة العديد من القرى، واجتث مساحات شاسعة من الغابات، وارتكب مذابح واتبع سياسة الأرض المحروقة، وكان بعمله هذا يرغب في أن يبث الرعب والخوف لدى الشيخ بشير ومناصريه من الأهالي".

وعن نتائج هذا الهجوم الواسع يقول: "وأمام ضراوة الهجوم أجبر الشيخ بشير الحارثي على التراجع، وبالفعل تراجع الشيخ الحارثي وثواره بعد أن كبدوا الألمان ومناصريهم خسائر كبيرة، وفي هذا الصدد يشير "المغيري" إلى أن الشيخ "الحارثي" تمكن من قتل وأسر عدد كثير من الألمان".

وعمد الألمان إلى استدعاء المزيد من المساعدات العسكرية بقيادة "فون جرافتراوت"، حيث استطاع الألمان ومن انضم إلى هؤلاء من محاربي بعض القبائل الإفريقية الموجودة على الساحل تشتيت قوات الشيخ الحارثي، وتم قتل أعداد كبيرة من الثوار، وأخيراً تم القبض على الشيخ بشير مع مرافقيه العرب والبلوش.

ويصف د. تركي نهاية الشيخ بشير فيقول: "أعدم الشيخ بشير الحارثي في "فنجاني" شنقا، ودون محاكمة بعد ثلاثة أيام من القبض عليه"، ويشار إلى أن إعدام الشيخ بشير تم بمشهد من عموم الطوائف في بلدة فنجاني، ومن المرجح أنه تم القبض عليه في 12 ديسمبر وتم إعدامه في 15 ديسمبر 1889م في "فنجاني"، حيث دفن ولا يعرف على وجه التحديد لماذا أُبقي على الشيخ ثلاثة أيام بعد القبض عليه، ولماذا لم يحاكم حتى صوريا قبل شنقه؟ ويُقال إن بعض مستشاري الشيخ بشير قد نجح الألمان في تجنيدهم للتجسس عليه وتتبع حركاته، ويشير المغيري إلى أنه لا يستبعد أن يكونوا هم السبب في القبض عليه وتسليمه للألمان". ويعتقد "المغيري" أنه "لولا خداع المستشارين وخيانتهم لنجح في الفرار بنفسه والانتقال عبر البحر إلى سلطنة زنجبار العربية أو أية منطقة أخرى على غرار ما فعله الشيخ مبارك بن راشد المزروعي أحد الذين قادوا ثورة ضد الألمان في شرق إفريقيا".

خاتمة:

إن جملة دراسات د. بنيان تركي الإفريقية، ومنها حركة "الشيخ بشير الحارثي" وثورته ضد الألمان، إضافة حقيقية للمكتبة الخليجية حول منطقة شرق إفريقيا ذات الأهمية الخاصة في التاريخ السياسي والاقتصادي للدول الخليجية، وبخاصة التجارة البحرية وظاهرة الرق والروابط الاجتماعية بين عرب الخليج وسكان شرق إفريقيا، وفي مقدمتهم بالطبع العمانيون الذين استوطنوا هناك منذ قرون.

وقد شهدت هذه المنطقة الإفريقية في مراحل لاحقة بعد منتصف القرن العشرين ممارسات عدائية وأعمال عنف ضد التجار والأقليات العربية والهندية عموماً، ففي عام 1963 مثلاً قامت "ثورة زنجبار" الدموية، حيث قتل الآلاف من العرب والهنود، وتم طرد آلاف آخرين، ومصادرة أملاكهم، كما عادت زنجبار إلى الظهور في الأخبار العالمية عام 2001، من خلال المذابح التي تعرض لها المسلمون بعد انتخابات متنازع عليها.

وتثير حركة الشيخ بشير نفسها ضد الألمان، والأسباب التي عددها د. تركي، العديد من الأسئلة بخصوص نظرة الشيخ بشير الى تجارة الرق ومدى شرعيتها دينياً، وكذلك موقفه من حركة تحرير العبيد، رغم معارضة الملاك العرب المسلمين للمزارع ومن يعمل عليها من الأرقاء الأفارقة، وكذلك حقيقة الأسباب التي حركت الشيخ بشير ومؤيديه ضد السلطان خليفة والألمان.

إن شرق إفريقيا وزنجبار بحاجة إلى زيارات أخرى وبحوث من د. بنيان تركي وكل المهتمين بالشؤون الإفريقية.

back to top