وسط أجواء جلسة العذر الطبي أقرت الحكومة زيادة أسعار الكهرباء بنسبة تصل إلى 400% دون أن ينتبه أحد لذلك، كما طرحت أكثر من عشرين شركة حكومية للخصخصة وفي مقدمتها شركة المطاحن والدواجن والمواشي، أي مصادر الأمن الغذائي، والقوت اليومي للمواطن.

Ad

"مسخره" جديدة يفتعلها مجلس الأمة عن سبق إصرار وتعمد، ولكن هذه المرة في إطار "أوركسترا" مرتبة وجماعية، وهذه البدعة الجديدة باتت تستهدف ما تبقى من هيبة الديمقراطية واحترام الدستور، وإلا ما الغرض من تخصيص أربع جلسات متتالية حول نائب واحد وتصريحاته وغياباته ورفع حصانته وفصله من البرلمان، خصوصاً بعد الاجتماع التاريخي بين المجلس والحكومة لتحديد أولويات العمل وقضايا الأمة!

أما الجلسة "الأضحوكة" التي استغرقت ساعات طويلة للنظر في قبول أو رفض العذر الطبي لأحد النواب فهي مأساة بمعنى الكلمة، وسابقة يتحمل مسؤوليتها رئيس المجلس، إذ لم يمارسها أي من رؤساء مجالس الأمة منذ عام 1963، لأن الهدف منها هو تجريد النائب من عضوية البرلمان، وهو هدف معلن مسبقاً!

المطبلون لهذا الإجراء، وإن كانوا تحت تأثير الفزعة أو الطائفية أو الشخصانية، يرتكبون خطيئة طالما تكررت على مدى السنوات القليلة الماضية، سواءً في تجربة تحريض الحكومة على ضرب الناس في الأماكن العامة أو اعتقالهم دون تهم محددة وقانونية، أو التصفيق للحكومة في سحب الجناسي، الأمر الذي قلب السحر على الساحر خلال شهور قليلة، وأصبح من يطبل للسجن هو المسجون ومن يحرض على سحب جنسية خصومه هو المهدد والمستهدف!

لو تمت هذه السابقة المجنونة وفصل نائب من عضوية المجلس، بغض النظر عن عدم دستورية هذا الإجراء في رأيي والذي ستبطله المحكمة الدستورية، فإن الحكومة سوف تستسبع مستقبلاً وبالتحالف مع أقلية بسيطة من نوابها الموالين في فصل أي نائب، وإن تحلى بأقصى درجات الوطنية والإخلاص باسم الديمقراطية والدستور، ووفقاً لبدع مجلس الصوت الواحد الذي سوف نرى منه مهازل قادمة أخرى لا محالة!

هذا هو عصفور واحد يستهدفه أعداء الديمقراطية الكويتية منذ زمن بعيد، وهو تكفير الناس بالبرلمان والانتخابات وتشويه التجربة الكويتية، أما العصفور الأكبر المستهدف وراء مسرحية المجلس الأخيرة فهو مشروع تمرير الموس على رؤوس الكويتيين ومد اليد داخل جيب المواطن، فوسط أجواء جلسة العذر الطبي أقرت الحكومة زيادة أسعار الكهرباء بنسبة تصل إلى 400% دون أن ينتبه أحد لذلك، كما طرحت أكثر من عشرين شركة حكومية للخصخصة وفي مقدمتها شركة المطاحن والدواجن والمواشي، أي مصادر الأمن الغذائي، والقوت اليومي للمواطن، ومثل هذه المواضيع لم تطرح لا من قريب ولا من بعيد في مجلس الأمة!

الأيام القادمة سوف تكون حافلة بمثل هذه المسرحيات، وإذا لم تنجح تكتيكات حل مجلس الأمة لحفظ ماء وجه النواب من حزمة الإجراءات الحكومية، فإن تمرير هذه الإجراءات وسط الصخب السياسي وغبار الطائفية سيكون أسهل، وبالتأكيد ستكون المادة التي سيجترها الكثير من المرشحين في الانتخابات القادمة، وهي مادة مضمونة للنجاح، فالحكومة ومجلسها الموقر لن ينجحا في حلق رؤوس الناس وسلب جيوبهم فقط ، بل بالضرب على هذه الرؤوس حتى تفقد ما تبقى من عقولها!