الصرع الإرهابي الذي أفاض قتلاً وتدميراً مؤخراً في شارع الاستقلال بإسطنبول، والذي تباهى بمذابحه في بلجيكا صباح الثلاثاء الماضي، وحصد عشرات الأرواح وخلف أضعافهم جرحى، وذلك باسم الإسلام (زوراً وبهتاناً) وثأراً لاعتقال الرأس المدبر لمجازر باريس قبل بضعة أشهر، فبقاموس السفاحين هم المخولون بالقتل، وليس من حق ذوي الضحايا ملاحقتهم والقصاص منهم، يؤكد الحقائق المدمرة لاستخدام الدين بالأيديولوجيات السياسية، والتعامل به كأداة للتغيير المتوهّم في حياة المجتمعات، فضلاً عن أن أمراء الإرهاب بشتى صنوفهم وأشكالهم من شذّاذ الآفاق، يريدون تغيير العالم من خلال شلالات الدم وحصد أرواح الناس وانتهاك حرماتهم وإفساد أمنهم واستقرارهم، وسبي نسائهم، من أجل إقامة إمارة هنا أو دولة دينية هناك، فهل بهكذا أفعال يتوقعون قبول الآخرين بإماراتهم؟!
الحرب العدمية في سورية بدأت بنداءات "الشعب يريد إسقاط النظام" و"نعم للديمقراطية ولا للدكتاتورية"، وانتهت بداعش والنصرة والقاعدة وحزب الله واحترابهم المذهبي البغيض على الأرض السورية، وضحاياهم الفعليون هم مئات آلاف القتلى وملايين الجرحى والمشردين في أرجاء المعمورة من أبناء الشعب السوري أطفالاً ونساء وشيباً وشباباً، وشظايا نيرانهم تشمل العالم بأسره شرقه وغربه، رافعة لافتة عريضة على المرحلة الكونية التي نعيشها تقول: إنها مرحلة "الإرهاب والتطاحن العربي الإسلامي" إما لإقامة "دولة الخلافة" من هذه الجهة أو "ولاية الفقيه" من الجهة الأخرى!إن سماسرة الإرهاب والمتاجرين باسم الدين هم المُنبَتّون الذين لا "أرضاً قطعوا ولا ظهراً أبقوا" كما جاء في الحديث الشريف، لا بل إنهم يضيفون كل يوم لبنة جديدة في أسوار الكراهية التي نُصِبت بيننا كعرب ومسلمين وبين الحضارات والأمم الأخرى غير المسلمة، وأصبح الأبرياء منا هم من يدفعون أثمان تلك الجرائم العبثية التي تُرتكب باسم الإسلام.من يلوم الآخرين إن احتقرونا؟ من يلومهم إن ارتابوا فينا؟ من يلومهم إن ضيّقوا الخـِناق علينا وأَوصدوا أبوابهم عليهم لتحول دونهم ودون دخولنا أراضيهم لنحرهم دون تمييز بين طفل وامرأة، أو رَجُلٍ أو دين أو عرق؟ من يلومهم حين يطردوننا من أراضيهم اتّقاء شرورنا، وسَعْيِنا لأسلمتهم قسراً وكأن قرآننا لم ينص على أنه "لكم دينكم ولي دين"؟!ألم يَأُن الأوان لتجفيف منابع الفكر الإرهابي في عالمنا العربي والإسلامي القائم على إذكاء الكراهية للآخر وإقصائه وقتله وحرقه؟ "ليس من خلال محاربة الدين كما يحاول أن يروّج البعض من المتنطعين" بل من خلال إفشاء روح التسامح الديني تجاه الآخر والمجادلة بالحسنى لا بالقتل والتفجير والأحزمة الناسفة، بل بالتسامح لإطفاء نيران الفتنة الطائفية التي لم تُبقِ منّا ولم تذر.إنها مسؤولية الدول والحكومات والمرجعيات الدينية العليا الرزينة من كل الطوائف والمذاهب في عالمنا الإسلامي.
أخر كلام
6/6 : من يلومهم؟
25-03-2016