تحتاج شركة نفط الكويت اليوم إلى مَن يقف معها، فالعاملون يطالبون بالتدخل، لحماية «نبض الكويت»، التي تتعرض للمرة الأولى لهذا التخبط والتراجع، وهو ما سينعكس بالطبع على الاقتصاد الكويتي.

Ad

أصبح القول بان "السلطة المطلقة تُخرج أسوأ ما في النفس البشرية"، كما جاء بمراجع علم الاجتماع، يلخص ما يمر به القطاع النفطي في الفترة الأخيرة، بسبب التفرد في اتخاذ القرار بمؤسسة البترول الكويتية في كل شاردة وواردة، وحتى في الشركات التابعة لها، نتيجة الغموض وتباين المواقف بالنسبة للتغييرات الأخيرة لنواب الرئيس التنفيذي في المؤسسة والشركات التابعة.

فوزير النفط السابق علي العمير، قبل أن يتم تدويره، كانت تدخلاته واضحة في فرض بعض الأسماء على القطاع النفطي، التي تم رفضها من قبل مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية، حيث وصفوها آنذاك بأنها تخدم مصالحه الانتخابية، كونه وزيرا ونائبا في الوقت نفسه، وقد تصدت حينها "الجريدة" لهذا العبث بالقطاع.

وأخيراً، أجرى القطاع النفطي تغييرات على مستوى رؤساء الشركات ونوابهم، وقد كانت غير مدروسة أيضا، كما حدث في السابق، لكن هذه المرة فيها "نَفَس شخصاني"، بالإضافة إلى التدخلات السياسية، التي لم يتحدث عنها مجلس إدارة المؤسسة، وأصبحت التدخلات "مشرعنة"، وذلك نتيجة التفرد في القرار بالقطاع الحيوي، فهل تستطيع مؤسسة البترول أن تكشف لمصلحة مَن تم أخيرا تغيير أحد الشروط لاختيار رؤساء الشركات ونوابهم؟ فالوضع الحالي لم يختلف كثيرا عن فترة الوزير السابق العمير، الذي أراد التدخل لمصالح انتخابية، والآن أصبحت شخصانية.

تغييرات «نفط الكويت»

أكثر الأمور التي حيَّرت القيادات السابقة للقطاع النفطي، كانت التغييرات غير المتوقعة في شركة نفط الكويت، فحتى الآن لا أحد يعرف سبب إقصاء الرئيس التنفيذي لـ "نفط الكويت" هاشم هاشم، فالبعض يرى أنها صفقة سياسية لقبول العمير التدوير الوزاري، فيما يرى آخرون أن إقصاءه كان أفضل على المستوى العملي في إنتاج النفط. وأياً كانت الأسباب، فهي رسالة للعاملين المحبطين في الشركة، بأن من يعمل ويجتهد يتم إقصاؤه أو تهميشه.

أما عن اختيار الرئيس التنفيذي الحالي جمال جعفر، فقد صاحب ذلك أيضا العديد من علامات الاستفهام، فالرجل سيصل بعد أشهر إلى الخدمة القانونية المحددة، وعليه أن يترك القطاع، فما الأسس العلمية والدراسات التي كانت تتشدق بها مؤسسة البترول في اختيار القيادات؟ ولماذا تم وضع رئيس مؤقت لـ"نفط الكويت"؟ وهل من المنطق تسلم رئيس تنفيذي لشركة تدير مشاريع بالمليارات، بعد ساعات من تعيينه دون الجلوس مع مَن سبقه لمعرفة الأولويات؟

لكن البعض ذهب إلى فرضية أخرى مهمة لهذا التخبط في التغييرات، وهي أن القطاع النفطي، وتحديدا شركة نفط الكويت، لا توجد فيها كوادر مؤهلة حاليا لتسلم قيادة الشركة، وهو ما اتضح في موقف آخر عندما تم التمديد لعدد من نواب الرئيس المنتهية ولايتهم، بحكم وصولهم إلى الخدمة القانونية في القطاع النفطي، من دون إبداء أي سبب يذكر.

لذلك، تحتاج شركة نفط الكويت اليوم إلى مَن يقف معها، فالعاملون يطالبون بالتدخل، لحماية "نبض الكويت"، التي تتعرض للمرة الأولى لهذا التخبط والتراجع، وهو ما سينعكس بالطبع على الاقتصاد الكويتي.

ملاحظة: لم نتطرق للشركات التابعة الأخرى في القطاع، لأن هناك قدرا من الاستقرار نوعا ما في شركة البترول الوطنية، وشركة الكيماويات البترولية سيتم إغلاق مصنع الأسمدة ومصيرها مجهول، وشركة نفط الخليج متوقفة سياسيا، ومن دون إنتاج منذ أكثر من سنة.   

المواجهة مع النقابات

مشهد آخر يتكرر اليوم مع مؤسسة البترول، حيث بدأت الفجوة تتسع بينها وبين النقابات التي وقفت ضد وزير النفط السابق علي العمير، بسبب تدخلاته، ومحاولة الانتقاص من حقوقهم، وعدم الوضوح والشفافية معهم خلال مفاوضتهم، لكن اليوم المؤسسة تقع في نفس الخطأ، حينما ساومت العاملين على حقوقهم، إلا أن الرد كان واضحا، من خلال تجمع العمال الاحتجاجي بأعداد كبيرة لم يعتد عليها القطاع في السابق، ما حدا بالمؤسسة بأن تطلب من العاملين وضع اقتراحاتهم في كيفية الترشيد في النفقات، وهو ما يكشف ضحالة التفكير في إدارة مؤسسة يعتمد الاقتصاد الكويتي عليها بشكل كامل.

إذاً، يفترض من الآن إطلاق صافرات الاستغاثة، لتوجيه الاهتمام إلى هذا المرفق الحيوي، واختيار القيادات النفطية على أسس علمية ومهنية، بعيدا عن المصالح الشخصية والتدخلات السياسية.

ولا يخفى على الجميع أهمية النفط بالنسبة للكويت، حيث إنه يمثل عصب الاقتصاد الوطني، والعبث بهذا القطاع سيؤدي إلى نتائج مضرة بمستقبل البلد وأجياله القادمة.

وقد مرَّ القطاع النفطي أخيراً بفترة صعبة، شهدت كثيراً من النقاشات حول أدائه وتأخر أو تعثر بعض المشاريع الكبرى، كما جاء بتقرير ديوان المحاسبة، إلا أننا نؤكد أهمية الحفاظ على القيادات النفطية في الشركات والقطاعات التابعة التي أثبتت نزاهتها وكفاءتها، والابتعاد عن العبث بمقدرات هذا القطاع المهم لنا جميعا.