كانت أمي تلميذة في المدرسة تعيش مع أسرتها في الإسكندرية وكانت ثمة فرقة فنية اسمها {زوبة الكلوباتية}. في أحد الأيام نزلت أمي ومعها حقيبة المدرسة لتشاهد الفرقة، وسارت في الشارع مع العازفين إلى أن ضلت الطريق إلى البيت، ووجدت نفسها مع الفرقة التي انضمت إليها واعتبرتها زوبة ابنة لها. هكذا تربت أمي وسط العوالم، وكان صوتها جميلاً جدا لكنها لم تغن ولم ترقص أيضاً.

Ad

 في لحظة وفاة زوبة الكلوباتية اعترفت لأمي بأنها ليست أمها وبأن عليها البحث عن أهلها. من خلال حقيبة المدرسة راحت أمي تبحث عن أسرتها إلى أن عثرت عليها بعد غياب أكثر من 15 سنة، ويوم عثرت عليها وجدت أن أباها وأمها قد ماتا حزنا عليها.

تزوجت أمي في سن صغيرة جداً (نحو 15 سنة) من تاجر مشهور بصناعة الأثاث، وكان يملك مصنعاً كبيراً في شارع السد بحي السيدة زينب، وما زال معرض عائلة والدي (التميمي) موجوداً حتى الآن في شارع قصر العيني.

في أحد الأيام ذهب أبي إلى الإسكندرية للاتفاق على بعض الأعمال، فأصيب بالتهاب رئوي حاد عولج منه بشكل خاطئ، فعانى الأمراض التي تصيب الرئتين والجهاز التنفسي، وظل مريضاً أكثر من 13 سنة، وضاعت كل مدخراتنا على علاجه، ولم نجد معونة سواء من أسرته أو أسرة والدتي، لأن العائلتين كانتا في حالة عداء شديد بسبب زواج والدي من والدتي رغما عن إرادتهما.

كنا بحاجة إلى نقود وكان عمري 9 سنوات، وقتها كنت أدرس الباليه، ومع شدة الحاجة، رقصت في الأفراح والموالد الشعبية مقابل مبلغ ضئيل لمساعدة أسرتي، وبعد وفاة والدي استمريت في الرقص لأنني وجدت فيه ترجمة عميقة للمشاعر والأحاسيس، وأذكر أنني رقصت وعمري 15 سنة في ملهى {صحاري سيتي} بالهرم، فانبهر الأجانب بهذه الصغيرة التي ترقص مثل الكبار.

أول مدرسة التحقت بها كانت مدرسة حسن باشا طاهر في بركة الفيل بحي السيدة زينب، وأذكر أنني كنت طفلة منظمة لدرجة الوسواس، وكنت أعشق حصة الألعاب والموسيقى والعلوم. أما حلمي وأنا صغيرة فكان أن أصبح طبيبة أطفال.

أنا أم وزوجة وست بيت درجة أولى، أجيد إعداد الأطباق الشرقية وأعتبر نفسي أستاذة ورئيسة قسم في {دقية البامية} و{طشة الملوخية}.

وأنا بيتوتية جداً وأجمل أوقاتي التي أقضيها في غرفتي، أشاهد الأفلام وأسمع الموسيقى، وأنا عكس ما أبدو، خجولة جداً، ولا أحب الاختلاط وليس لي أصدقاء كثر من الفنانين.

لا أعترف بمقولة الرقص المحترم أو الرقص غير المحترم، ويزعجني جداً من يقول إن الباليه فن رفيع وباقي أنواع الرقص فن {تخين}.

بإمكاننا القول إن ثمة راقصة محترمة وراقصة غير محترمة، وللأسف ساهمت السينما، إلى حد كبير، في صنع صورة سيئة للراقصات، {خطافة رجالة} أو {عشيقة زعيم العصابة}.

علاقتي بالفنانة فيفي عبده {زي الفل} ولا أعتقد أن قولي إنني راقصة مصر الأولى يجعلها تغضب مني، فهي كانت في فترة من الفترات راقصة مصر الأولى.

 أرقص على أنواع الموسيقى كافة شرقية أو غربية، ففي الولايات المتحدة الأميركية رقصت على موسيقى مايكل جاكسون رقصاً شرقياً و{كسرت الدنيا}.

 

قابلت الفشل والحروب والضرب تحت الحزام، لكني تخطيت ذلك كله وتحملته في مثابرة وإصرار وإيمان بموهبتي، وفي أول فيلم لي {حالة تلبس} كان لا بد من أن أجيد السباحة، وكنت أجهل ممارستها، فتعلمت وتعرضت للموت غرقاً، وأثناء تصوير الفوازير تمزق كاحل قدمي وخضعت لجراحة وأكملت التصوير.

لا أعرف اليأس أو التشاؤم وأثق في أن الحياة حلوة، وأذكر أنني كنت أملك بدلة رقص كلما ارتديتها انقطع التيار الكهربائي، فاعتبر من حولي أنها بدلة شؤم فصممت على ارتدائها حتى تم فك النحس.

وأثناء تصوير مسلسل {آرابيسك} كانت قطة سوداء ضخمة ترابض أمام باب غرفتي، وكنت سعيدة بوجودها على عكس زملائي الذين تشاءموا منها.

أكثر شخصية جسدتها تحمل شبهاً مني هي {أنوار} في مسلسل {آرابيسك}، وفي مشاهدي أمام صلاح السعدني كنت أشعر أنه أبي، خصوصاً أنه يشبه والدي إلى حد كبير.

ابني فتحي حياتي كلها، والنور الذي يملأ عقلي وقلبي وأكبر نعمة منحها الله لي في حياتي.

لن أنسى أبدا كلمات فريدة فهمي، أعظم راقصة شعبية أنجبتها مصر، عندما كانت تشاهد رقصة لي في إحدى المناسبات: {أنت راقصة لن تتكرر أبداً}.

لم أعش سن المراهقة، كنت مسؤولة طوال الوقت، ولم أحلم مثلاً بالفارس الذي يخطفني على حصانه الأبيض، وعندما أردت الزواج كنت أبحث عن رجل يحميني و{يحمي لحمي}.

لي عائلة كبيرة، وأنا فخورة بها، ولي أخوة وأعمام وأخوال وعمات وخالات يفخرون بي ويقدرون فني. إخوتي أقرب الناس إلي، من بينهم أخت تعيش في أميركا الآن، وأخ يحمل دكتوراه ويعمل أستاذاً في الكونسرفتوار، كذلك لي أخ يعمل مهندس طيران.

 أنا تلميذة لكل المطربين الكبار، تعلمت الغناء من فايزة أحمد وأم كلثوم، وعشقت أغاني الحب من عبد الحليم حافظ، واحترمت الفن من عبد الوهاب وفريد الأطرش، ووقعت في هوى الرقص من سامية جمال، وأحببت الجمع بين الرقص والتمثيل من تحية كاريوكا.

أشعر باشتياق شديد إلى السينما ولكن ما يقدم الآن لا يناسبني، وأنا في انتظار الدور الذي يعيد تقديمي للجمهور.

أجمل ما في شخصيتي أنني أتحلى بروح المغامرة وأتمتع بقلب قوي وأدرك أن الدنيا لا يمكن أن تستمر أو تتطور من دون تجارب، وعلمتني الحياة أن النجاح يولد من قلب الفشل.