تقرير اقتصادي : 57.8% أعلى تغطية للعجز وفق أقسى سيناريوهات الترشيد

نشر في 10-03-2016 | 00:04
آخر تحديث 10-03-2016 | 00:04
No Image Caption
مع مضاعفة أسعار النفط المقدرة في الميزانية وبدون اقتطاع ١٠٪ «لصندوق الأجيال»

● السيناريو الرسمي يغطي 18.7% فقط من إجمالي المقدر بـ 12.8 مليار دينار
في ملتقى الكويت للاستثمار، فاضت خطابات المسؤولين الحكوميين والتنفيذيين المتحدثين بالعديد من الوعود المستقبلية الإيجابية والإصلاحية، ولكن بلا آليات تنفيذ.

 وفق بيانات حكومية، فإن أقسى سيناريوهات الترشيد المالي، الذي تنوي الحكومة تطبيقه على السلع الأساسية، كالكهرباء والماء والمحروقات، كالبنزين إلى جانب الديزل - المحرر منذ أكثر من عام - سيحقق وفراً مالياً بـ 2.4 مليار دينار سنوياً، أي ما يعادل 18.7 في المئة فقط من إجمالي العجز المتوقع للسنة المالية 2016 / 2017، المقدَّر بـ 12.8 مليار دينار، حيث تبلغ جملة مصروفات الميزانية العامة للدولة 18.9 مليار دينار.

وبفرضية ارتفاع أسعار النفط عن سعر الأساس المقدَّر بالميزانية، البالغ 25 دولاراً للبرميل، بواقع 50 في المئة، فإن سعر 37.5 دولاراً للبرميل، بحجم إنتاج 2.8 مليون برميل يومياً، سيحقق إيرادات نفطية بإجمالي 8.7 مليارات دينار، تُضاف إليها إيرادات غير نفطية بواقع 1.6 مليار دينار، أي إجمالي إيرادات يبلغ 10.3 مليارات دينار، وبالتالي تغطي إيرادات الترشيد، وفق هذه الفرضية، 28 في المئة فقط من العجز، البالغ 8.6 مليارات دينار.

أما بفرضية ارتفاع أسعار النفط 100 في المئة عن المقدر بسعر أساس في الميزانية، أي تصل الأسعار إلى 50 دولاراً، فإن إجمالي الإيرادات النفطية سيبلغ 11.6 مليار دينار، يُضاف إليها إيرادات غير نفطية بواقع 1.6 مليار دينار، أي إجمالي إيرادات يبلغ 13.2 مليار دينار، ومع الوفر الناتج من الترشيد (2.4 مليار دينار) يكون لدينا إجمالي إيرادات 15.6 مليار دينار، وبالتالي يكون أثر الترشيد في تغطية العجز وفق هذا السيناريو المبالغ فيه 57.8 في المئة فقط.

الفرضيات

الفرضيات أعلاه لم تحتسب اقتطاع 10 في المئة من إجمالي الإيرادات النفطية لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال، وليس لها علاقة بمستجدات سوق النفط العالمي، الذي تتزايد فيه المنافسة وحرب الأسعار، بالتزامن مع صعوبة اتفاق المنتجين على خفض الإنتاج، الذي أفضى إلى اتفاق "هش" عند مستويات يناير، التي يعدها المحللون قياسية أصلاً.

خطاب رسمي

ورغم أن الخطاب الرسمي للدولة، الذي تبناه أكثر من وزير، يشدد على أن الحكومة لا تهدف من إعادة هيكلة الدعوم أكثر من ترشيد الاستهلاك، وليس سد العجز، فإن الحديث عن تغطية العجز بحد ذاته يطرح مجموعة من الأسئلة التي تدور حول جدوى سياسات الإصلاح المالي التي تطرحها الإدارة التنفيذية، ويمكن أن تمثل حلولاً، ليس فقط للوصول إلى نقطة توازن بين المصروفات والإيرادات، بل أيضاً لإيجاد حلول لمشكلات الاقتصاد.

ففي ملتقى الكويت للاستثمار، الذي نظمته هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، فاضت خطابات المسؤولين الحكوميين والتنفيذيين المتحدثين بالعديد من الوعود المستقبلية الإيجابية والإصلاحية، في ظل انخفاض أسعار النفط، حتى بدا الأمر لمن لا يعرف الاقتصاد الكويتي والمسؤولين عنه كأنه أمام خطة طموحة وانتفاضة من مؤسسات الدولة تجاه اختلالات هيكلية عميقة متراكمة منذ عقود سابقة.

وعود مستقبلية

غير أن الوعود المستقبلية الحكومية لا يمكن أن تمر من دون استذكار العديد من الشواهد التي تكبح من غمرة التفاؤل التي تسود أوساط المتحدثين في أي مؤتمر.

تعديلات لقوانين

فعندما يكون عن مساعٍ لإجراء تعديلات جذرية في قانون الخصخصة خلال شهرين، فعلينا مباشرة، وقبل أن ندخل في نقاش حول مدى قدرة الحكومة على إدارة ملف التخصيص، تذكُّر أن اللائحة التنفيذية للقانون الحالي تطلَّب إصدارها 5 سنوات كاملة، فضلاً عن تراجع الحكومة، غير المفهوم، عن توجه خصخصة شركة الخطوط الكويتية، بعد إعادة هيكلتها الوظيفية والإدارية، وشراء وتأجير طائرات جديدة.

كما أن طرحه - أي الوزير - خصخصة إدارات الموانئ ومطار الكويت، وهي فكرة طبق الأصل من مشروع حكومي عام 2003 ضاع بين لجان الدراسة والتأجيل، وبات فكرة متكررة في خطابات مؤتمرات الإصلاح الاقتصادي.

بل إن التفاؤل الذي فاض به الملتقى عن إصلاح سوق العمل، الذي يلتهم أكثر من نصف الميزانية العامة للدولة، بكل ما فيه من وعود وإيجابيات وإجراءات متوقعة، يمكن أن يتضاءل عندما نعرف أن مصير "البديل الاستراتيجي"، المشروع الحكومي الأكبر لإصلاح سوق العمل وبنود الرواتب، لا يزال بين أخذ وردٍّ في لجان الحكومة ومجلس الأمة، وسط تخوُّف مشترك منهما لأي رد فعل شعبي أو نقابي في أي مرحلة من مراحل المشروع.

هذا غير وضع جلسة كاملة لجهاز صندوق المشروعات الصغيرة الذي تأسس عام 2013 برأسمال يبلغ ملياري دينار، كأحد أهم الحلول الخاصة بإصلاح سوق العمل، ولا يزال يعاني البيروقراطية والمبالغة في الاهتمام بالمؤتمرات وعمليات المسح والتدريب، وغيرها بلا تمويل حقيقي للمشاريع، ولا توفير أي أراضٍ للمستثمرين.

حفل الملتقى بالكثير من الأفكار، كضبط الهدر وإعادة هيكلة مشاريع الدولة وضريبة الشركات، وحتى إصدار سندات التمويل، كلها فيها من التكرار والعموميات الشيء الكثير، لكنها وعود بلا آلية تنفيذ، وبعضها مقترح منذ حوالي 16 سنة مضت.

لذلك، فالمطلوب اليوم أن تكون لدينا خطة واضحة لا تستهدف سد العجز وفقا لآلية الإيرادات والمصروفات، بل العمل على إيجاد حلول لتحديات كتنويع سوق العمل وتطوير الاقتصاد، وإطلاق خطة تنمية حقيقية بأدوات قياس عملية.

إصلاح اختلالات

كما يجب أن تصب كلها في معالجة اختلالات الميزانية، كإعادة هيكلة التركيبة السكانية، ورفع المداخيل غير النفطية، وخلق فرص عمل خارج القطاع العام، وأن تكون للكويت خطة استراتيجية يجري تقييمها سنوياً وفصلياً، بدل عقد المؤتمرات التي يصب معظمها في اتجاه "التشكّي" الحكومي من سوء الأوضاع، رغم أن الحكومة هي وحدها التي تملك مفاتيح وآليات الحل والتنفيذ.

ما تحتاجه الحكومة اليوم، أن تتبنى مشروعاً واضحاً يشمل جميع الملفات الاقتصادية بآليات تنفيذية، حتى يكون عملها أمام الرأي العام، ويكون هناك توافق مجتمعي لعملها، لعلها تنجح.

back to top