لا يفصلنا عن تطبيق قانون إنشاء محكمة الأسرة سوى شهرين تقريباً، في حين لم تتضح بعد معالم الاستعداد حيال ذلك من قبل وزارة العدل، فكل ما نسمعه، من هنا أو هناك، مازال في طور كلمات مثل «جهزنا»، و «وقعنا» و»بانتظار التوقيع» و»بقيت أمامنا عدة مبان»، بينما كان يتعين أن نسمع على الأقل أننا انتهينا من إعداد المباني، وخصصنا الموظفين، وأنهينا كافة التجهيزات للمحاكم، والهيئات القضائية، وإدارات الاستشارات والتوثيقات في كل المحافظات التي ستجري فيها محاكم الأسرة!.

Ad

ما زالت المخاطر تحيط بقضايا الناس ودعاواهم القضائيةن التي ستكون بتاريخ 22 مارس المقبل، أي بعد شهرين، دون وضوح لفاعلية محاكم الأسرة في ذلك التاريخ، وتتمثل تلك المخاطر في أن محاكم الأحوال الشخصية ستقرر في هذا التاريخ إحالة كل القضايا المتداولة أمام المحاكم الكلية والاستئناف إلى محاكم الأسرة للنظر فيها، وذلك لاختصاصها، وهو أمر متصل بالنظام العام لايمكن التغاضي عنه، أو قبوله، وليس لمحاكم الأحوال الشخصية أن تنظر قضايا الأحوال المحددة بالقانون، وإنما عهد القانون من بعد ذلك التاريخ الاختصاص لمحاكم الأسرة وحدها في نظره، عبر درجتي تقاض فقط، بعد أن سمح القانون الطعن بالتمييز للنيابة العامة وحدها، وفي مسائل محددة فقط دون باقي الخصوم في مخالفة دستورية لنص المادة 29 من الدستور حيث مايَزَت المادة بين مواقف الخصوم بالتقاضي أمام محكمة التمييز بأن أعطتها للنيابة العامة فقط دون باقي الخصوم!.

المشكلة لا تكمن في محاكم الأحوال الشخصية، التي ستكون مجبرة بتاريخ 22 مارس المقبل بإحالة كل القضايا إلى محاكم الأسرة، بل ستكون كل المحاكم المدنية الحكومية التي تنظر المنازعات الزوجية المرتبطة بقسمة العقارات بين الزوجين أو الطليقين أو المسائل المرتبطة بقضايا الأسرة ملزمة هي الأخرى بالإحالة، وكذلك محاكم المستعجلة التي تنظر الدعاوى والمسائل المستعجلة الخاصة بين الزوجين أو الطليقين، ويتعين عليها هي الأخرى إحالة تلك القضايا إلى محاكم الأسرة التي ستوجد في مبان متخصصة لها فقط، تتضمن بها كل الهيئات القضائية المختلفة التي تنظر مسائل الأحوال والمسائل المدنية والمسائل المستعجلة التي تتعلق بالأسرة فقط.

المشكلة أيضاً التي لا تعيها وزارة العدل حتى الآن، ولا تريد قبول الدعوات المنادية بسرعة تطبيق القانون بتكاتف جميع قطاعاتها المختلفة، وتذليل العواقب، التي تؤخر التنفيذ أو أنها تذهب إلى مجلس الأمة لطلب تأجيل تطبيق القانون إلى سنة أخرى بأن المحاكم ملزمة في 22 مارس المقبل أن توفر للمتقاضين مبان وهيئات قضائية ونيابات أسرية وإدارات للاستشارات والتوثيقات والتنفيذ في المحافظات الست، بحسب مايلزم القانون، وكل ذلك يتطلب طاقات بشرية تعمل على تشغيل مجمل تلك المحاكم، فهل وفرتها وزارة العدل، وهل الوزارة مستعدة لذلك؟.

الأمر لم ينته بعد من كل تلك المسائل التي تم عرضها، بل القانون يتطلب سرعة توفير القضاة وتخصيصهم أولاً بتوفير قضاة للتوثيقات للزواج والطلاق «للمذهبين السني والجعفري» في كل من المحافظات الست، لأن القانون يطبق على كل المذاهب، والأمر الآخر توفير قضاة للتنفيذ في المحافظات الست كقضاة للتنفيذ لإدارات تنفيذ الأسرة، وثالثاً قضاة لنظر قضايا محاكم الأسرة لعضوية الهيئات القضائية للفصل في مسائل الأحوال والنفقات، وكل المسائل المرتبطة بنزاعات الأحوال وقضاة للهيئات القضائية التي ستتولى الفصل في المسائل المدنية بين الأسرة وقضاة للهيئات التي ستفصل في المسائل المستعجلة، وأخيراً، هل تم تعيين أو تخصيص قضاة للأمور الوقتية للفصل في الأوامر على عرائض للفصل بالطلبات المحددة في القانون، التي سمح بالحصول عليها من قاضي الأمور الوقتية؟.

قبل خمسة أشهر من تطبيق القانون ونحن نحذر من مداهمة الوقت لنا،  ونحن لم نشرع تنفيذياً في تطبيق قانون محكمة الأسرة، النموذجي والمهم، والذي يتطلب تفعيل طاقات كبيرة وجهوداً فعالة لتحقيق أهدافه بعيداً عن ترقيع الحلول أو وضع حلول مؤقتة قد تشوه أهداف القانون وغاياته، وعليه أقول: إما أن نكون على قدر هذا القانون ونتعجل في تنفيذه، وإما أن نتمهل لعام آخرن طالما لسنا على قدر هذا الاستعداد، ونضيع في تنفيذه فتضيع حقوق الناس وتتعطل مصالحها أشهراً وربما سنوات!.