«مصائبُ شتى جُمِّعت في مصيبةٍ... ولم يكفها حتى قَفَتْها مصائبُ»... ليس هناك أفضل من هذا البيت لشاعر العربية الأكبر أبي الطيب المتنبي، للتعبير عما يعانيه واقع تعليم لغة الضاد في مدارس الكويت، هي فضيحة بمعنييها الحقيقي والمجازي، وإلا فبِمَ نصف تلك الأخطاء الشائنة في كتابات طلابنا؟ حتى إن طلاباً في السابع والثامن المتوسطين لا يجيدون كتابة بضع كلمات لا تتجاوز صعوبتها مستوى الثالث الابتدائي، لعدم معرفتهم بحروفها.
بمَ نفسر ضياع الطلاقة اللفظية والانسيابية التعبيرية في موضوعات الإنشاء؟ كيف نرى تدهور الكويت إلى المرتبة الـ46 في اختبار "بيرلز" لفهم المقروء من إجمالي 49 دولة اشتركت بهذا الاختبار عام 2011؟ ولمَ الذهاب بعيداً: بمَ نفسر نجاح 4 من 500 متقدم لاختبارات الوظائف الإشرافية الأخيرة؟!وفي تحقيق أجرته "الجريدة"، وضعت يدها على جراح مؤلمة آثرت أن تنكأها، علّها تجد من يداويها من الغيورين على تعليمنا عامة، ولغتهم خاصة، إذ رأى خبراء تربويون أن آفة تعليم العربية في المرحلة الابتدائية تكمن في طريقة تعليمها من "الكل إلى الجزء"، مؤكدين أن تلك الطريقة غير صالحة للتعليم في الكويت، وهو ما حدا الوزارة على إلغائها بعد نحو عقد من تدريسها.وأكد التربويون أن هناك طامة كبرى يفرضها توجيه اللغة العربية اعتباراً من الصف الخامس وصولاً إلى الثاني عشر، وهي "طريقة الجهد الذاتي"، متسائلين: "أيعقل أن يقوم معلم بشرح قاعدة نحوية مثلاً ويحل تدريبات عليها، ثم بدلاً من أن يعطي الطلبة واجبات لترسيخها، يطلب إليهم أن يكتبوا تعبيراً عن المركز العلمي أو بر الوالدين، وكأنه يقول لهم انسوا ما تحدثنا عنه؟".وأكدوا أن المعلمين لا تؤخذ آراؤهم رغم أنهم الأقدر على تحديد عيوب طرق التدريس وأن بعض التعديلات تأتي وفق "ما يطلبه المستمعون" بذريعة التسهيل، مبينين أن آخر تلك المبتكرات إلغاء سؤال حفظ النصوص التي كانت ترفع رصيد الطلبة الوجداني، وهو ما يسلبهم الركيزة الأساسية في تنمية ذائقته الأدبية.وفي اعتراف بما سبق، قال وزير التربية د. بدر العيسى لـ"الجريدة" إن "تطبيق المناهج المطورة من شأنه تجاوز تلك الأزمات خلال سنوات قليلة"، مبيناً أن الوزارة بدأت فعلياً بالأول الابتدائي هذا العام.وبينما أكد رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية الأساسية في "التطبيقي" د. جلال آل رشيد أن هناك طلبة على قوائم الإنذار بالفصل وآخرين فصلوا لتدني مستواهم، قال الوكيل المساعد لقطاع المناهج والبحوث التربوية د. سعود الحربي إن "التربية" قررت إعادة النظر في صياغة المناهج، لاسيما في اللغة العربية.المرتبة الـ 46شدد المدير العام للمركز الوطني لتطوير التعليم د. صبيح المخيزيم على أن القراءة شيء مهم خاصة باللغة الأم، وهي اللغة العربية لدينا، لأن الطالب إذا لم يعرف كيفية القراءة الصحيحة فإن مستواه في جميع المواد سيكون غير مناسب.ولفت إلى أن ترتيب الكويت في الاختبارات الدولية جاء متأخراً، إذ كانت في اختبار بيلرز عن عام 2011 في المرتبة الـ 46 من أصل 49 دولة شاركت في الاختبار، «وهذا الترتيب متأخر ولا يمكن إنكار ذلك»، مطالباً بالعمل على تطوير التعليم، والاهتمام بكل الجوانب التي من شأنها رفع مستوى الطلبة.المناهج جمّدت عقول الطلبةقال رئيس قسم اللغة العربية بإحدى مدارس وزارة التربية محمد السداني إنه لا أحد يستطيع أن ينكر وجود ضعف في مستوى اللغة العربية بين الطلبة والمعلمين على حد سواء، لافتاً إلى أن الوزارة لا تطرح رؤية وأهدافاً واضحة لتعليم اللغة.وأضاف السداني أن المناهج موضوعة في قوالب جامدة كفيلة بتجميد عقول الطلبة، لافتاً إلى أن عملية التدريس الحالية لا تعطي الطالب الدافعية للتعلم في جميع المواد وخصوصاً في اللغة العربية.
أخبار الأولى
أبناؤنا لا يعرفون قراءة «العربية»!
16-04-2016