إمام: المادة ١٥٦ من الدستور تلزم البرلمان بإقرار القوانين الصادرة في غيبته خلال 15 يوماً وإلا كانت سارية

نشر في 20-01-2016
آخر تحديث 20-01-2016 | 00:01
No Image Caption
في دراسة حول مأزق مجلس النواب المصري تجاه المادة الدستورية
أكد الخبير الدستوري المستشار شفيق إمام أن تطبيق نص المادة ١٥٦ من الدستور المصري، بنظر مجلس الشعب المصري ومناقشته وإقراره للقرارات بقوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية في غيبة المجلس خلال ١٥ يوما من انعقاده، له تأثير سلبي على المظهر اللائق للديمقراطية.

وأضاف المستشار إمام، في دراسة قانونية بعنوان «المأزق الدستوري الذي وقع فيه مجلس النواب المصري في تطبيق المادة ١٥٦ من الدستور»، أنه لا يمكن، خلال ١٥ يوما، مناقشة وإقرار ٧٠٠ قرار بقانون أصدرتها السلطة التنفيذية خلال غياب مجلس النواب، وهذه المدة قصيرة، وتوقع أي برلمان في حرج بالغ، وفي ما يلي موجز الدراسة:

فرضت المادة 156 قيدا تعجيزيا على موافقة البرلمان خلال 15 يوما على النظر في كل القرارات بقوانين الصادرة عن السلطة التنفيذية، عندما تحل محل البرلمان في غيبته، وممارسة سلطته في إصدار تشريعات تقتضيها الضرورة، عندما ألزمت مجلس النواب بالنظر في كل القرارات بقوانين التي صدرت بعد صدور الدستور، لمناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انعقاده.

وكنت قد أفردت مقالي الأسبوعي المنشور على صفحات الجريدة للتحذير من هذا المأزق الدستوري تحت عنوان "أناشد البرلمان المصري ألا يقع في هذا المأزق الدستوري"، وتناولت فيه ان إقرار البرلمان هذه القرارات بقوانين التي جاوزت 700 قرار بقانون، خلال هذه المهلة القصيرة، ستكون له تداعيات سلبية على المشهد السياسي، والمظهر اللائق للبرلمان، والحياة الديمقراطية السليمة، التي ينتظرها المواطنون من هذا البرلمان بعد طول غياب، والملهاة الدستورية التي ستجرى في مناقشة هذه القوانين وإقرارها في هذا المهلة.

وفي هذه الدراسة أسوق الأسانيد الدستورية العديدة التي تقطع بعدم انطباق أحكام المادة 156، في مباحث ثلاثة:

المبحث الأول: ويتناول تاريخ العمل بأحكام المادة 156 من الدستور، وكيف ينحسر عن القرارات بقوانين الصادرة بعد العمل بالدستور وحتى 9/1/2021.

المبحث الثاني: الأسانيد الدستورية والفقهية والقضائية الأخرى لعدم انطباق احكام هذه المادة على هذه القرارات بقوانين.

المبحث الثالث: ونبحث فيه الأساس الدستوري والشرعي لهذه القرارات بقوانين.

المبحث الاول

المادة 156 من الدستور... تاريخ العمل بها

اولا- البرلمان كان جنينا في رحم الدستور

في كل دساتير العالم لا يبدأ العمل ببعض أحكام الدستور مع تاريخ العمل بالدستور، بل بنشوء وقائع وأعمال قانونية أو مؤسسات دستورية نص عليها الدستور، منها وعلى رأسها الفصل الأول من الباب الخامس الخاص بنظام الحكم، وهو الفصل الذي أفرده الدستور للسلطة التشريعية (مجلس النواب) الذي استهل أحكامه بالمادة 101 التي نصت على أن: "يتولى مجلس النواب سلطة التشريع...".

لذلك فإن تاريخ العمل بأحكام هذا الفصل يرتبط بتاريخ انعقاد اول مجلس نواب يخرج من رحم هذا الدستور، ليباشر مسؤولياته، لأن البرلمان كان وحتى تاريخ انعقاد مجلس النواب جنينا في رحم الدستور، في ما عدا قانون الانتخاب الذي يصدر تطبيقا للمادة 102 الواردة في هذا الفصل.

تاريخ العمل بالمادة 156

وبسحب الحكم الخاص ببدء العمل بالفصل المتعلق بالسلطة التشريعية على المادة 156، فهي مكملة لهذا الفصل، وكان يمكن أن تكون إحدى مواده، ولا يبدأ العمل بأحكامها إلا من تاريخ انعقاد أول مجلس نواب بعد العمل بالدستور وقد استهلت أحكامها بأنه.

"إذا حدث في غير أدوار انعقاد مجلس النواب...".

وهو ما تقطع به عبارات النص الأخرى التي نسوقها في تفسير أحكام هذه المادة.

تفسير أحكام المادة 156

حيث تنص المادة 156 من الدستور على أنه: "إذا حدث في غير أدوار انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه، وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار".

والبين من القراءة المتأنية لهذا النص، لفهم أحكامه واستنباط هذه الأحكام من الالفاظ والعبارات التي استخدمها، وتحكيم مقاصد المشرع الدستوري منها، أن أهم ما ورد فيها من عبارات حددت الوقائع التي تنطبق عليها أحكام هذه المادة والآثار المترتبة عليها، بصراحة لا لبس فيها ولا غموض هي:

وأول هذه العبارات العبارة التي استهلت بها المادة أحكامها

"إذا حدث في غير أدوار انعقاد مجلس النواب"

"ما يوجب اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير"

فالمعنى الوحيد المستفاد من هذا النص وفقا لصريح عباراته، ولا اجتهاد مع صراحة النص، هو أن يكون مجلس النواب قد خرج من رحم الدستور بتمام انتخابه، وانه قد باشر مسؤولياته، متوليا السلطة التشريعية، ثم يحدث في غير دور انعقاد المجلس (والمقصود في ما بين أدوار انعقاده) ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير.

ويعزز هذا المعنى الأثر الذي رتبه المشرع الدستوري على ذلك وهو:

ان "يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه" ثم تستطرد المادة إلى حالة هي تالية –بلا جدال- لانعقاد المجلس بعد خروجه إلى الوجود من رحم الدستور، وفقا لترتيب هذه الأحكام هي:

"وإذا كان مجلس النواب غير قائم" والمجلس لا يكون غير قائم إلا إذا كان موجودا أصلا بعد انعقاده وخروجه إلى النور من رحم الدستور.

ووفقا لأحكام الدستور فإن المجلس يكون غير قائم في إحدى حالتين:

الأولى: انتهاء الفصل التشريعي الدستوري.

الثانية: حل مجلس النواب، قبل انتهاء مدته الدستورية.

في هاتين الحالتين وحدهما

"يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين" ثم يترتب على رئيس الجمهورية التزام آخر  عرضها على المجلس فور انعقاده "على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد".

فتعبير المجلس الجديد، هو تعبير انفردت به هذه المادة من بين كل مواد الدستور الأخرى التي رددت عبارة "مجلس النواب" دون أن تصفه بالجديد، ليقتصر اصطلاح "المجلس الجديد" على المجلس التالي، لأول مجلس نواب يخرج من رحم الدستور، والذي سوف تعرض عليه القرارات بقوانين التي صدرت في غيبته والتالية لانعقاده في 10 يناير 2016، ثم في غيبة المجالس التالية له، فكل مجلس ينتخب بعدها هو مجلس جديد، يراقب القرارات بقوانين التي صدرت قبله في غيبة المجلس القديم.

فلا تسري أحكام المادة 156 من الدستور على قوانين صدرت قبل خروج مجلس النواب إلى الوجود من رحم هذا الدستور.

المبحث الثاني

ما يؤيد هذا الرأي من أسانيد دستورية وفقهية وقضائية

أولا: القرارات بقوانين اكتسبت شرعيتها من الدستور ذاته

ترتبط تشريعات الضرورة بمبدأ الفصل بين السلطات، وهي الرخصة التي خولتها المادة 156 من الدستور لرئيس الجمهورية في أن يصدرها بقرارات بقوانين، في غيبة المجلس.

ويباشر مجلس النواب –في ظل هذا المبدأ- وظيفة الدولة التشريعية، ويباشر الرئيس ومجلس الوزراء والوزراء وظيفة الدولة التنفيذية.

فإذا باشرت سلطة واحدة الوظيفتين التشريعية والتنفيذية، طبقا لنصوص الدستور ذاته، فإن القوانين الصادرة من هذه السلطة وحتى يعود مبدأ الفصل بين السلطتين إلى الوجود تكون حصينة من الوصاية التي تفرضها المادة 156 على القرارات بقوانين التي تصدر في غيبة مجلس النواب.

وقد باشر رئيس الجمهورية الوظيفتين التنفيذية والتشريعية مجتمعتين، مستمدا شرعية القرارات بقوانين التي أصدرها من الدستور ذاته في ما نصت عليه المادة 230 من أنه "يجري انتخاب رئيس الجمهورية أو مجلس النواب وفقا لما ينظمه القانون، على أن تبدأ إجراءات الانتخابات الأولى منها خلال مدة لا تقل عن ثلاثين يوما، ولا تجاوز تسعين يوما من تاريخ العمل بالدستور.

وفي جميع الأحوال تبدأ الإجراءات الانتخابية التالية خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالدستور".

فقد خلق الدستور بهذه المادة واقعا دستوريا تندمج فيه الوظيفتان التشريعية والتنفيذية في يد الرئيس، بالتعاقب الزمني لانتخابهما، فتبدأ الانتخابات الرئاسية أولا، تليها بعد فترة زمنية قصيرة الانتخابات البرلمانية لا تجاوز ستة أشهر طبقا لأحكام المادة 230 المذكورة، وبذلك فإن كل ما أصدره رئيس الجمهورية من قرارات بقوانين حتى انعقاد البرلمان، ولو لم تكن بتدابير توجب الإسراع في اتخاذها، بل كانت من مستلزمات إدارة شؤون البلاد العادية وشؤون الحكم، يكون مستمدا شرعيته من أحكام المادة 230 من الدستور التي خلقت هذا الواقع الدستوري.

وان المخاض الذي عانته خريطة الطريق في مرحلتها الأخيرة في انتخاب البرلمان بسبب الطعن على قانون الانتخاب وقضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض نصوصه، وتعديل قانون الانتخاب بما يزيل ما به من عوار دستوري، لا يمكن معه القول بأن البرلمان كان قائما خلال هذه الفترة.

هذا المخاض الذي تسبب في إطالة الفترة الزمنية التي حددتها المادة 230 سالفة الذكر، والتي أعقبت انتخاب الرئيس من ستة أشهر بعد انتخابه إلى أكثر من عام ونصف لا ينهض سببا لحجب الشرعية التي اكتسبتها القرارات بقوانين من أحكام المادة 230 من الدستور، فضلا عن أحكام المادة 214 من الدستور، التي حصنت القوانين السابقة على صدور الدستور، والتي سنتناولها في ثالثا.

فلا تنطبق أحكام المادة 156 من الدستور على قوانين الثورة التي صدرت من سلطة كانت تجمع بين الوظيفتين التشريعية والتنفيذية شرعا، والتي استمدت شرعيتها من الدستور ذاته، لأن تطبيق أحكام هذه المادة يدور وجودا وعدما مع العمل بمبدأ الفصل بين السلطات، فإذا اندمجت السلطتان التشريعية والتنفيذية شرعا، فإن هذه القوانين التي أصدرها الرئيس لم تكن مباشرة لاختصاص البرلمان الأصيل بالتشريع، وبموجب الرخصة الاستثنائية المنصوص عليا في المادة 156 من الدستور، بل كان الرئيس يباشرها أصيلا.

ثانيا- القضاء يؤيد هذا التفسير

في الأحكام التي نورد أهمها في قضاء النقض الصادر عام 1931 وفي أحكام المحكمة الدستورية التي سنتناولها في رابعا.

1 - قضاء النقض عام 1931

أيدت محكمة النقض هذا التفسير، فقضت في الحكم الصادر بجلسة 14/12/1931 بعدم انطباق أحكام المادة 41 من دستور 1923 على المراسيم الصادرة خلال فترة تعطيل الحياة البرلمانية، وانها لا تعرض على البرلمان لإقرارها أو رفضها إعمالا لأحكام هذه المادة (المقابلة للمادة 156 من الدستور الحالي) لأنها صادرة من سلطة تشريعية أصيلة أسندها إلى الملك الأمر الملكي رقم 46 لسنة 1928، وكان دستور 1923 صادرا بأمر ملكي، ومتى تساوى الأمران الملكيان في المرتبة الدستورية، فالقاعدة أن اللاحق ينسخ السابق.

2 - مجلس نواب ثورة 1919 أخذ بهذا التفسير

في الأزمتين الدستوريتين اللتين واجههما، عندما أصدر الملك أمرا ملكيا في عام 1926 وأمرا ملكيا آخر في عام 1928، بحل البرلمان وتعطيل الحياة البرلمانية، فعندما أعيد انتخاب البرلمان بعد الأزمتين رفض مجلس النواب  بسط رقابته عليها إعمالا لأحكام المادة 41 من دستور 1923، والتي تقابل المادة 156 من الدستور الحالي، على سند من انها لم تصدر إعمالا لأحكام المادة 41 من الدستور، التي لا تنطبق إلا مع قيام البرلمان.

إلا أن البرلمان قرر بطلان هذه المراسيم بقوانين بطلانا أصليا، وهي الخشية من أن يشجع قياس حالة تعطيل الحياة النيابية على حالة غياب المجلس التي يمارس فيها الملك سلطته في إصدار مراسيم الضرورة، بأن يشجع ذلك الحكومة على تعطيل المجلس.

وهي خشية لا وجود لها في الأزمة الحالية التي تواجه مجلس نواب ثورة 30 يونيو. إلا أن محكمة النقض في حكمها السابق، وعلى خلاف رأي البرلمان، قضت بنفاذ هذه المراسيم بقوانين.

ثالثا- الدستور حصن قوانين الثورة

حيث نصت المادة 224 من دستورنا الحالي (2014) على ان:

"كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور الدستور، يبقى نافذا، ولا يجوز تعديلها، ولا إلغاؤها إلا وفقاً للقواعد، والإجراءات المقررة في الدستور. وتلتزم الدولة بإصدار القوانين المنفذة لأحكام هذا الدستور".

وتأخذ قوانين الثورة الصادرة بعد العمل بالدستور وحتى انعقاد البرلمان حكم القوانين الصادرة قبل العمل به، إلى ان يستكمل البناء الدستوري، وفقا لخريطة الطريق، بانعقاد برلمان الثورة، فهو واقع دستوري –كما اسلفنا- اندمجت فيه السلطتان التشريعية والتنفيذية، فلا مجال فيه لتخصيص حكم هذه المادة، بالقوانين الصادرة قبل العمل بالدستور، لأن الدمج يبن السلطتين كان واقعا دستوريا أنشأته المادة 230، واستمدت منه القرارات بقوانين الصادرة بعد صدور الدستور شرعيتها.

وقد قضت المحكمة الدستورية العليا، بالنسبة إلى التشريعات السابقة على صدور دستور 1964 ودستور 1971 بأن هذه التشريعات تبقى نافذة، وكلاهما لا يعني إلا مجرد استمرار نفاذ تلك القوانين والأوامر واللوائح دون تحصينها ضد الطعن بعدم دستوريتها، شأنها في ذلك شأن التشريعات التي تصدر في ظل الدستور.

(القضية رقم 5 لسنة 7 قضائية "دستورية" بجلسة 1/4/1978 جـ 2 "عليا" ص 146)

المبحث الثالث

قوانين الثورة تستمد شرعيتها من شرعية الثورة

1 - شرعية الثورة

إن الثورة التي قامت في 30 يونيو لتصحيح الأوضاع، التي تمخضت عن انحراف من قفزوا على ثورة 25 يناير عن تحقيق أهدافها، عيش وحرية وعدالة اجتماعية، وقد أرادوا الحكم غاية، والانفراد به هدفا، ورفض الآخر وتكفيره حصنا، والاتجار بالدين ملاذا.

هذه الثورة بنجاحها والتفاف السواد الأعظم من الشعب حولها، اكتسبت شرعية، هي التعبير عن إرادة الامة مصدر السلطات جميعا، وهي شرعية تستمد منها قوانين الثورة شرعيتها. وإن قوانين الثورة التي استمدت شرعيتها منها تظل قائمة ونافذة، مثلها مثل غيرها من قوانين صادرة قبل العمل بالدستور، ولا يجوز تعديلها أو إلغاوها إلا وفقا للقواعد والإجراءات المقررة في الدستور، إعمالا لأحكام المادة 224 من الدستور.

2 - الدستور ليس منهيا لشرعية الثورة

فالثورة وقد استمدت شرعيتها من جموع الشعب التي أيدتها، ومن الأمة مصدر السلطات جميعا، ومن إرادة هذه الأمة التي عبرت عن ذلك في ديباجة الدستور بأن هذا الدستور هو إرادتنا، وهذا دستور ثورتنا، فكيف ينهي الدستور شرعية ثورة خرج من رحمها.

لأن الدستور لم يكن إلا مرحلة في خريطة طريق الثورة، وهي الخريطة التي وضعتها كل قوى الشعب السياسية والاجتماعية التي قامت بثورة التصحيح في 30 يونيو 2013 والتي لم تكن قد اكتملت حلقاتها.

3 - استمرار الثورة حتى نهاية خريطة طريقها

ذلك ان الثورة ظلت مستمرة بعد إعلان الموافقة على الدستور في 14 /1/2014 بعد الاستفتاء عليه الذي تم عليه حتى اكتمل البناء الدستوري للمؤسسات الدستورية، الذي لم يكن لتكتمل حلقاته إلا بانتخاب البرلمان وفي اول اجتماع له، والذي يملك سلطة التشريع والرقابة على اعمال السلطة التنفيذية، فاستعادت الدولة بذلك مؤسساتها الدستورية.

4 - البرلمان هو آخر مراحل خريطة الطريق

حيث يكتمل باجتماع أول برلمان في ظل هذا الدستور، وخروجه من رحم النصوص الدستورية إلى الحياة في 10 يناير 2016، أي بعد عامين من العمل بالدستور، البناء الدستوري للمؤسسات الدستورية للدولة، بتولي البرلمان سلطة التشريع وممارسة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

5 - بعض هذه القوانين تأبى على تطبيق المادة 156

في حالتين:

1 - عندما تنتفي حالات الضرورة، التي تقتضي اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، ذلك ان كثيرا من قوانين الفترة الانتقالية، هي قوانين عادية استلزمتها إدارة شؤون الدولة وإدارة شؤون الحكم في فترة طالت مدة سنتين.

2 - إن بعض هذه القوانين لم يكن إصدارها بموجب السلطة التقديرية الممنوحة للرئيس بموجب المادة 156 من الدستور، بل كانت التزاما على الدولة.

ومن بينها قانون الانتخاب الذي جرت انتخابات مجلس النواب في ظله، فقد كان التزاما بأحكام المادة 102 من الدستور.

6 - إلغاء الإعلان الدستوري... أثره

ولا ينهض لتطبيق أحكام المادة 156 من الدستور على قوانين الثورة ما ذهب اليه البعض من أن المادة 246 من الدستور قد نصت على إلغاء الإعلان الدستوري الصادر في 8 يوليو، وهو الاعلان الذي كان يسند سلطة التشريع إلى رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، وان القوانين التي صدرت في غياب هذا الاعلان -في رأيهم- تكون بغير غطاء دستوري، ان لم تستمد أساسها الدستوري والشرعي من احكام المادة 156.

وهو قول مردود عليه بأن قوانين الثورة لم تستمد شرعيتها من هذا الإعلان، فالإعلان الدستوري ذاته قد استمد شرعيته من شرعية الثورة، وصدر بذات الأداة التي صدرت بها هذه القوانين، فلا يحجب بإلغائه، عن هذه القوانين شرعية الثورة.

والقول بغير ذلك هو إنكار لشرعية الثورة

ولا ادل ذلك من أن ثورة 23 يوليو 1952، قد أصدر القائمون بها بعد أيام من قيامها، في 9 سبتمبر من العام ذاته، أهم القوانين التي حددت معالم الثورة، وعلى رأسها قانون الإصلاح الزراعي، الذي وضع حدا اقصى لملكية الفرد، في سعيها للقضاء على الإقطاع، وسيطرته على الحكم، وإلغاء الوقف على غير الخيرات وتخفيض الإيجارات وغيرها، قبل ان تصدر إعلانها الدستوري الأول في 10 فبراير 1953، لأن هذه القوانين كانت تستمد شرعيتها من الثورة، وليس من إعلان دستوري، كما كان هذا الإعلان ذاته مستمدا من شرعية الثورة.

الفقه الدستوري: انحراف في استعمال السلطة التشريعية

يرى الموقف الدستوري عدم انطباق المادة 156 من الدستور على القرارات بقوانين، وقد أجمع على الأخذ بهذا التفسير، كل من تناول هذا الموضوع من الفقهاء، ونورد رأي بعض هؤلاء قبل ثورة 23 يوليو وبعدها في ما يلي:

1 - د. السنهوري

في مقال للفقيه الكبير د. عبدالرزاق السنهوري، بعنوان «مخالفة التشريع للدستور، والانحراف في استعمال السلطة التشريعية»، نشر في مجلة مجلس الدولة قال فيه: «نلاحظ ما وقع في تاريخ مصر الدستوري من وقف العمل بالدستور أو استبدال دستور آخر به، فإذا نص في فترة توقف الدستور أو في فترة الانتقال إلى دستور آخر على أن تتولى السلطة التنفيذية التشريع عن طريق إصدار مراسيم لها قوة القانون، فهذه المراسيم تعتبر تشريعات كاملة لا تلغى إلا بتشريعات أخرى يوافق عليها المجلسان، فهي لم تصدر تطبيقاً للمادة 41، من دستور 1923 بل صدرت تطبيقا لأمر ملكي آخر يقضي بأن تتولى السلطة التنفيذية التشريع». (مجلة مجلس الدولة السنة الثالثة، يناير سنة 1952 ومجلة القضاء - السنة الـ19 العدد الأول عدد يناير – يونيو 1986 ص 314).

2 - د. السيد صبري

يقول في مؤلفه «مبادئ القانون الدستوري»: «من المهم التفرقة بين المراسيم بقوانين التي تصدر أثناء الحياة النيابية، أي في ما بين أدوار انعقاد البرلمان وفي فترة الحل والمراسيم بقوانين التي تصدر أثناء تعطيل الحياة النيابية، والأولى فقط هي التي يسري عليها حكم المادة 41 من دستور 1923، وتزول إذا لم تعرض على البرلمان في أول اجتماع له عند عودته، أو إذا رفضها أحد المجلسين، أما الثانية فلا تزول قوتها القانونية عند اجتماع البرلمان بعد عودة الحياة البرلمانية، بل تعتبر قوانين قائمة ما لم يلغها البرلمان بقوانين أخرى، وبديهي أنه لا يكفي لإلغاء هذه المراسيم قرار يصدره المجلس باعتبارها باطلة». (طبعة 1949 ص 489).

3 - د. عاطف البنا

يقول في مقال له «بعنوان الرقابة القضائية على دستورية اللوائح»: «يقصد بأحوال الاندماج، الحالات التي تندمج فيها السلطات، وخصوصا السلطتين التشريعية والتنفيذية، فلا يؤخذ بمبدأ الفصل بين السلطات أو يسقط العمل به، فقد حدث اندماج بين السلطات بقيام حركة الجيش في 23 يوليو 1952، واعترف القضاء بأن الهيئة الحاكمة الجديدة قد جمعت في يدها السلطة التنفيذية. وأن ما تصدره في مجال التشريع هي قوانين حقيقية». (مجلة القانون والاقتصاد، جامعة القاهرة، عدد مارس 1978، ص 79 و135 و147، هامش 69 على التوالي).

4 - المستشار محمد نصر الدين كامل

يذكر في مؤلفه «اختصاص المحكمة الدستورية العليا»: «أن القرارات بقوانين التي تصدر اثناء وقف العمل بأحكام الدستور أو تعطيل العمل بها تعتبر قوانين عادية لا يمكن الغاؤها الا بقوانين مثلها».

د. سليمان الطماوي

أفاد في مؤلفه «النظرية العامة للقرارات الإدارية» بأنه «بعد عودة الحياة النيابية عقب التعطيل، لا يمكن أن تلغى المراسيم إلا بالطريقة التي تلغى بها التشريعات البرلمانية، ولا تعرض تلك المراسيم على البرلمان، كما هو الشأن بالنسبة إلى لوائح الضرورة». (الطبعة الخامسة 1984 ص 472).

back to top