لأن لبنان الجميل أصبح قلعة: «ألْمُوت»!
لأنه في حقيقة الأمر لم تعد هناك دولة لبنانية ذات سيادة، ولأن حزب الله قد صادر قرار هذه الدولة وهيمن على كل شيء فيها، ولأن حسن نصرالله قد تجاوز كل ما يمكن احتماله فإن المملكة العربية السعودية قد بادرت مكرهة إلى إيقاف كل ما تقدمه من دعم إلى لبنان، وتضامن معها في هذه الخطوة التي جاءت ضرورية ولازمة ولابدَّ منها عدد من الدول العربية كمملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة.إن هناك قاعدة تقول إن العلاقات بين الدول مصالح، وإنه عندما تدعم دولةٌ دولةً أخرى بالمساعدات المالية وبغيرها فإنَّ مصالحها هي التي دفعتها إلى هذا الدعم، لكن وهذه حقيقة مؤكدة إن هذا إذا كان ينطبق على دولٍ كثيرة عربية وغير عربية، فإنه لا ينطبق على دعم السعودية السابق واللاحق للبنان، فالغاية الوحيدة لهذا الدعم هي إسناد دولة شقيقة لا بد من إعانتها دائماً وأبداً ولابد من الحفاظ على تماسكها وبقاء الصيغة التي تم التوافق عليها بين أهلها عندما أصبحت دولة مستقلة في أربعينيات القرن الماضي.
لقد وقفت المملكة العربية السعودية إلى جانب لبنان عندما هبت عليه رياح الأطماع الإقليمية في نهايات خمسينيات القرن الماضي وبعد ذلك، ولقد وقفت إلى جانب وحدته وتماسكه خلال سنوات الحرب الأهلية المدمرة التي ضربته في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ولقد ساعدته في وضع نهاية لهذه الحرب بعقد مؤتمر الطائف المعروف الذي كان بالنسبة للبنانيين نهاية مرحلة خطيرة ومفصلية وصعبة وبداية مرحلة واعدة جديدة ساعدته على إعادة بناء ما تهدم، وكل هذا بكرمٍ طافح ومن دعم شعب شقيق لإسناد شقيقه. إن هذا بعض ما قدمته المملكة العربية السعودية للبنان لكل لبنان، لا لطائفة معينة ولا لحزب دون غيره، وآخره المليارات التي خُصصت لإعادة بناء الجيش اللبناني، وهنا ومع أنه لا تجوز المقارنة على الإطلاق، فإننا نجد أن إيران لم تقدم إلى هذا البلد إلَّا النزعة الطائفية والاحتقان المذهبي وتحويل حزب الله إلى دولة ابتلعت الدولة اللبنانية وأنهت سيادتها وصادرت قرارها وأخذت تتدخل باسمها في الشؤون الداخلية للعديد من الدول العربية القريبة والبعيدة، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر سورية واليمن والعراق!لقد عرف تاريخ هذه المنطقة وضعاً كوضع حزب الله ليس اللبناني بل في لبنان عندما أفرزت الدولة الفاطمية- الإسماعيلية ظاهرة: "قلعة ألْمُوت" التي تعني باللغة الفارسية القديمة "وكر العقاب" بقيادة حسن الصباح الذي يشبه حسن نصرالله، والذي شكَّل مجموعات من القتلة الانتحاريين أُطلق عليهم اسم "الحشاشين" بينهم وبين حزب الله هذا الكثير من الصفات المشتركة، من بينها امتهان جرائم الاغتيالات، فكما اغتال "الحشاشون" الكثير من القادة المسلمين، وحاولوا اغتيال آخرين في مقدمتهم البطل صلاح الدين الأيوبي في ذروة الحروب الصليبية فإن "حشاشي" ضاحية بيروت الجنوبية قد اغتالوا رفيق الحريري ورينيه معوض وجورج حاوي وسمير قصير وجبران تويني، والقائمة طويلة، والاغتيالات لاتزال مستمرة.ولهذا ولأن هذا الحزب، أي حزب الله، قد أصبح بمثابة قلعة "ألْمُوت" هذا العصر، ولأنه في حقيقة الأمر قد حول لبنان إلى ولاية إيرانية وحول ضاحية بيروت الجنوبية إلى قاعدة استخبارية لدولة الفقيه ولدولة بشار الأسد، فإنه كان لابد من أن تتخذ المملكة العربية السعودية هذا القرار الذي اتخذته.