كيف تصل السينما المصرية إلى «الأوسكار»؟

نشر في 27-01-2016 | 00:01
آخر تحديث 27-01-2016 | 00:01
مع وصول الفيلم الأردني «ذيب» للترشيحات النهائية لجوائز الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، تثار الأسئلة مجدداً حول ابتعاد السينما المصرية عن مثل هذه الترشيحات أو المنافسة في المهرجانات الكبرى مثل «كان» و«برلين» وغيرهما، والتي في ما يبدو انتهت مع رحيل جيل الرواد وآخرهم يوسف شاهين.
فما الذي ينقص السينما المصرية رغم ما تتمتع به من ريادة في المنطقة العربية، وما تملكه من تاريخ طويل وإمكانات فنية وإبداعية؟ هل السبب في ذلك المستوى الفني، أم تخطيط وهدف، أم ثقافة وعدم طموح؟ للإجابة عن هذه التساؤلات كانت لنا هذه المتابعة.
ترى الناقدة ماجدة خير الله أن عدم وصول السينما المصرية إلى المحافل الدولية يتعلق بالعاملين في هذا المجال، فهم لا يملكون طموحاً وهدفاً يسعون لأجله لدخول المهرجانات العالمية، بل كل ما يشغلهم توقيت عرض الفيلم وما يُحققه من إيرادات، والبحث عن نص ونجم يجذبان أكبر عدد من الجمهور. وهي نظرة قاصرة ومحدودة من صانعي السينما الذين يُفترض أنهم مثقفون ومهتمون بالصناعة ورواجها. وأضافت أن يوسف شاهين كان يملك هذا الحلم وسعى إليه أكثر من مرة، ووصل إليه، ولكن بعد رحيله توقفت المحاولات، رغم وجود هذا النموذج الناجح أمام الجميع والذي كان من المفترض أن يتبعوا خطواته في هذا المجال.

وتابعت خير الله أنه بسبب هذه النظرة القاصرة ومحدودية الطموح خسر الفيلم المصري أيضاً السوق الخليجي وسوق شمال أفريفيا، ولم يهتم أحد بتعويض هذه الخسارة، في حين أن السينما الأردنية ومن قبلها الإيرانية نجحت في الوصول، ما يعني أن الأمر ليس مستحيلاً، ولكن المهم الدافع والمحاولة.

في السياق نفسه، يرى الناقد طارق الشناوي أن مشاركة الفيلم المصري في الأوسكار بدأت من زمن طويل، بأفلام «أم العروسة، شباب امرأة، الحرام، باب الحديد»، وثمة محاولات أيضاً ليوسف شاهين، رغم أنها لم تحقق أي شيء فإنها جعلتنا موجودين على الأقل في الصورة. لكن الأمر اختلف عند تشكيل لجنة من وزارة الثقافة لاختيار الفيلم، فهي لم تهتم بالأمر، ثم ذهبت إلى نقابة السينمائيين التي اختارت فيلم «بتوقيت القاهرة» ونسيت موعد التقديم، وهو خطأ لا يُغتفر.

طارق أكد أن للأمر أولاً وأخيراً علاقة بثقافة صانعي السينما الذين لا يعنيهم إلا شباك التذاكر ونجاح الفيلم جماهيرياً، مضيفاً أن الفيلم التسجيلي والروائي القصير حقق نجاحاً عالمياً واسعاً، ولكن يبقى الفيلم الروائي الطويل ينقصه الكثير، مشيراً إلى فيلم «الميدان» وتحقيقه النجاح والوصول إلى الأوسكار، فيما أنه لم ولن يُعرض في مصر لأسباب لا علاقة لها بالسينما ولا الفن، وهو أيضا جزء من المشكلة.

الناقد سمير فريد أوضح أن 80 دولة تقريباً ترشح أفلامها للمنافسة في هذه المسابقة، وبالتالي أمر طبيعي أن دولاً كثيرة يتم اختيار أفلامها في القوائم الطويلة والقصيرة، فليست المشكلة في أن الأفلام المصرية لا تصل إلى المنافسة على الجائزة، ولكن الأزمة أننا لم نشهد أي فيلم في السنوات الأخيرة يصل مستواه الفني إلى مستوى الأوسكار. وأضاف فريد أن الأفلام المصرية أصبحت أقل فنياً من أن تشارك في المسابقات الرسمية للمهرجانات الدولية، مؤكداً أن تطوّر السينما وجودتها يقاسان بحجم المشاركة في المهرجانات الدولية الكبيرة، فالمنافسة على الأوسكار تأتي في مرحلة لاحقة. كذلك بيّن أن خلال الخمسينيات كانت السينما المصرية قادرة على المنافسة في الأوسكار والتمثيل المشرف في المهرجانات الدولية أيضا، ولكن السنوات الأخيرة أصبح مستواها الفني والفكري ضعيفاً جداً، رغم انتعاشتها التجارية الكبيرة، والدليل أن نحو 32 فيلماً عرضت العام الفائت، والأهم من ذلك أن الجمهور يتفاعل مع الأفلام ويقبل عليها. وشدّد فريد على أن من المهم الاستمرار في ترشيح أفلام للأوسكار حتى إذا كانت لا تحقق شيئاً، فربما يتحسن المستوى الفني للإنتاج السينمائي ذات يوم، ويصبح قادراً على المنافسة.

المنتج والمخرج هاني جرجس فوزي قال إن وصول السينما الأردنية وقبلها السينما الإيرانية يتعلق أولاً بدعم الدولة للفن والوقوف خلفه حتى يُحقق النجاح، وكان ذلك واضحاً دعم الدولة في إيران ممثلةً في أعلى سلطة حتى وصل الفيلم الإيراني إلى الأوسكار منذ سنوات. أما دولتنا فلا تهتم بالفن ولا يشغلها وصوله إلى العالمية. الأمر الثاني أن الجهات المعنية بتقييم الأفلام واختيار الأفضل لتمثيل مصر، تحكمها العلاقات الشخصية والأهواء، وهو أمر واضح أولاً من غياب أفلام عن المنافسة قبل الاختيار ثم اختيار فيلم من دون أية معايير واضحة، وبعد ذلك تنسى هذه الجهة موعد التقديم! ما يعني أن العشوائية  تُسيطر على الجوانب كافة في الصناعة.

عمل مشترك

بدوره رأى المخرج هاني خليفة أن تجربة الفيلم الأردني يُعززها العمل المشترك، فالمنتج إنكليزي والمصور فرنسي والمخرج أردني، وفي حالة التجربة الإيرانية نجد صناعة كاملة تقف خلفها الدولة بكل مؤسساتها بما فيها الرئاسة، وهذه النماذج غير موجودة في السينما المصرية، حيث نفتقد إلى الإنتاج الكبير المشترك، حتى الكيانات المصرية الكبيرة توقفت عن الإنتاج، ولم يبق لنا سوى محاولات فردية للسبكي، الذي له التقدير والاحترام على حمايته السينما من الانهيار في السنوات الأخيرة. والدولة لا تهتم بالسينما ولا بالفن أو تدعمهما، وبالتالي لا مجال للحديث عن وجودنا في المحافل الدولية.  وأضاف خليفة: {لا يهمني أن تكون السينما المصرية موجودة في كل المهرجانات الدولية أو حتى تحصد الجوائز، لأن ذلك لا يُدل على وجود صناعة قوية قد تكون محاولة فردية ناجحة، ولكن ما يعنيني الحفاظ على الصناعة من الانهيار، ودعمها وتقديم سينما جيدة تُنافس في أي مهرجان بعدها نصل إلى الأوسكار أو لا نصل لا يهم. من الأولى أن نبحث عن سُبل دعم الصناعة ومحاربة الاحتكار والقرصنة ورفع الضرائب والجمارك عن المعدات، وتقديم الدعم للسينما المستقلة كي نعزّز وجود هذه الصناعة في الأساس، وهو ما كان موجوداً لدينا في الخمسينيات والستينيات، حينما كانت السينما المصدر الثاني للدخل القومي، فكنا حاضرين في المهرجانات الدولية.

back to top