الصناديق السيادية سميت بهذا الاصطلاح لأنها ثروة البلد وجزء أصيل منها، وللدولة كامل الحق في الهيمنة عليها انطلاقاً من ممارسة سلطتها السيادية، ولذا إذا لم تجرؤ الدولة على اللجوء إلى حر مالها لمعالجة أوضاعها الاقتصادية فلا خير فيها ولا مصداقية لسيادتها.

Ad

وكالة موديز (Moody's) العالمية للتصنيف الائتماني، وهي من أكبر المؤسسات المالية في العالم، أعلنت وضع التصنيف السيادي لدولة الكويت، واعتبرته مستقراً على المدى القريب، وشرحت جملة من المؤشرات الرقمية على الحالة المالية في الكويت وفقاً لتراجع أسعار النفط وأثره في الموازنة العامة ودرجات العجز وفائض الحساب الجاري ومتوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى طرق تغطية العجوزات وفق نظام الاقتراض المحلي وأدوات الدين، وهذه مصطلحات فنية ومعقدة قد لا تضيف شيئاً إلى المواطن العادي، الأمر الذي يجب أن يطرح بأسلوب مبسط من أجل خلق ثقافة مجتمعية خاصة في مثل هذه الظروف الحرجة، سواءً على مستوى نقص الموارد المالية أو في ظل التوترات السياسية في المنطقة، والتي قد تتطلب موازنات مالية إضافية للأغراض الأمنية والعسكرية.

الاقتصاد الكويتي يمكن اعتباره "سهلا ممتنعا"، لأنه بسيط للغاية، ويمثل معادلة واحدة طرفاها بيع النفط من جهة وصرف إيراداته من جهة أخرى، ولكن هذه المعادلة الصغيرة يجب أن توضع في منظومة معقدة تحمل تفاصيل كثيرة ومعقدة لارتباطها بمنظومة عالمية.

مؤسسة موديز تقيّم متانة الاقتصاد وقدرته على التكيف مع حالات الطوارئ مثلما هو الأمر الآن بسبب هبوط أسعار النفط، ولذلك فإن ما تهدف إليه الوكالة العالمية هو مدى قدرة الدولة على امتصاص صدمة الخسائر الكبيرة من الصفقات النفطية، وبالتأكيد فإن مهمة هذه المؤسسة العالمية وغيرها من الجهات المتابعة لاقتصادات الدول هو ضمان وضع صناديق الكويت السيادية، أي أموالها المستثمرة في الخارج، ليس لسواد عيون الكويتيين إنما لضمان هذه الأموال التي تمثل مصدراً معيشياً لمئات الآلاف من الأوروبيين والأميركيين الذين يعتمدون على مصدر رزقهم من الشركات والبنوك التي تدير أموال الكويت وغير الكويت.

لذلك تنبه وكالة موديز على ضرورة قيام الحكومة بإصلاحات داخلية وتغطية عجوزاتها عن طريق الاقتراض المحلي وأدوات الدين ورفع الدعم عن المواطنين وتقليص الإنفاق الحكومي، أي شد الحزام في الداخل حتى لا يمس الصندوق الذهبي لدولة الكويت.

هذه الملاحظات بالتأكيد مهمة وربما هي جزء من الحل، ولكن الأهم من ذلك هو تنويع مصادر الدخل والإنفاق الاستثماري، وتدشين المشاريع التنموية ذات المردود الاقتصادي والعوائد المالية، وإن كان ذلك من خلال اللجوء إلى صناديقنا السيادية، وبالاتفاق مع الشركات المالية التي تديرها كجزء من نشاطها الاستثماري والتجاري.

الصناديق السيادية سميت بهذا الاصطلاح لأنها ثروة البلد وجزء أصيل منها، وللدولة كامل الحق في الهيمنة عليها انطلاقاً من ممارسة سلطتها السيادية، ولذا إذا لم تجرؤ الدولة على اللجوء إلى حر مالها لمعالجة أوضاعها الاقتصادية فلا خير فيها ولا مصداقية لسيادتها، لأن الناس لن تفهم ولن تقبل بمفاهيم مثل متوسط النمو من الناتج الإجمالي وأدوات الدين والمالية العامة، بل سوف تصرخ لا تمسّوا جيوبنا ولا تحلقوا رؤوسنا!