"في شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض

Ad

أسرارها الدموية. في شهر آذار مرت أمام البنفسج والبندقية

خمس بنات... سقطن على باب مدرسة ابتدائية. للطباشير

فوق الأصابع لون العصافير. في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها"

كان ذلك النشيد في عام الانتفاضة. أمسية بسيطة بمنطقة حولي في "منظمة التحرير الفلسطينية"، يلقيها الشاعر محمود درويش لجمهور يملأ القاعة الكبيرة، ويخرج بعدها الشباب العربي، لا الفلسطيني فقط، في مظاهرة للتذكير بيوم الأرض وبنضال الشعب الفلسطيني المطالب بحقه في تقرير مصيره. كانت تلك الأمسية البسيطة مشابهة لأمسيات يتحرك فيها الشعب العربي مناصرا لقضية العرب الأولى والمركزية، كما أخبرنا القادة والزعماء الذين تاجروا بها، وأسكتوا كل صوت يعلو على صوت المعركة.

وإن لم يكن لهذا اليوم القدرة على تحرير فلسطين، وهو بالتأكيد لا يملكها، فقد كان له أن يبقي فلسطين قضية مركزية يلتف حولها العرب أيا كانت نيتهم ومهما كانت أهدافهم المرجوة منها. كان هو اليوم الذي ينمو في ذاكرة الطلاب والعمال والمقاتلين والشعراء والمثقفين. لكنه أيضا هو اليوم الذي هزمه التاريخ وطواه النسيان فلم تعد فلسطين قضية العرب الأولى، وتراجع الزعماء والشعراء عنها لتنحصر في دائرة أهلها المحاصرين بالقوة الإسرائيلية وعزلته.

لم يعد يعني هذا التاريخ شيئا لجماهير الأمة العربية، وربما لا يعني شيئا لجماهير فلسطين التى تجذرت في المنافي والضياع. هذا التاريخ الذي كان يوما نضاليا للشعب الفلسطيني، وداعما لثوراته وانتفاضاته المتلاحقة ضد التهويد والتهجير. منذ بداية هذا اليوم قبل أربعين عاما كان يوما وطنيا لفلسطين، ويوما قوميا تشارك فيه الجماهير العربية في الوطن العربي الشعب الفلسطيني نضاله ووقوفه ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية.

هذا اليوم وغيره من أيام المآسي لا الآن يبدو ذا أهمية لنا، فالواقع العربي الحالي والمستقبلي ينبئ بضياع الكثير من ثقتنا بأن الصراع الذي استمر أكثر من سبعة عقود سيجعلنا نترحم على أيام كنا فيها نتذكر فلسطين يوما في السنة. لقد نجحت إسرائيل في تقسيم عدوها الأبدي إلى فريقين من الأعداء يقتتلان فيما بينهما، ويبتعدان في صراعهما عنها.

مر يوم الأرض قبل أيام، وسيمر بعد سنوات ولم يكترث أحد على وسائل التواصل الاجتماعي، كما اهتموا بيوم المرأة، لم يهتم إلا بعض فلسطينيي الداخل، لم يهتم فلسطينيو الخارج ومنظماتهم المتعددة ولن يهتم أحد. أعرف أن يوما في السنة لا يعني الكثير للقضية الفلسطينية، لكنه في الحقيقة يوم مهم لهؤلاء الصغار الذي نرى فيهم مستقبلا يمكن أن نعول عليه، يوم يذكرهم بألا ينسوا وطنا ينزف منذ سبعين عاما شهداء ودموع أمهات وصبر سجناء، لأن الآباء يقتتلون على كراسي السلطة.