بعد أيام قليلة من وفاة المفكر الكبير جورج طرابيشي، فقدت الأوساط الفلسفية العربية د. علي مبروك، أستاذ الفلسفة الإسلامية والفكر العربي الحديث في جامعة القاهرة، إذ غيبه الموت بعد صراع قصير مع المرض، بعيداً عن ضجيج الإعلام، وصخب المثقفين.

Ad

د. علي مبروك أحد أشهر المفكرين المصريين في العقود الثلاثة الماضية، الذين حاولوا إعادة قراءة التراث الإسلامي والنصوص المؤسسة له، لينضم إلى كوكبة من المفكرين في مقدمهم، السوري جورج طرابيشي، والمغربي محمد عابد الجابري، والمصري حسن حنفي.

ولد مبروك عام 1961، وحصل على دكتوراه عام 1995، وعمل لفترة أستاذاً مساعداً في جامعة كيب تاون في جنوب إفريقيا. حرص منذ بدايته البحثية على تقديم رؤية مختلفة للتراث وللفكر العربي، وحملت مقدمة أول كتبه «النبوة... من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ» نقداً لمن يعتبرون أن البحث في الإسلاميات مجرد شرح للمتون، ولم ير في هذا اختلافاً عمن يكتفون بشرح نصوص فلاسفة غربيين مثل ماركس أو سارتر.

سعى مبروك إلى قراءة واعية للنصوص تستهدف نقدها وتجاوزها. وهو رأى أن الحداثة التي مرت بها الثقافة العربية، حتى مع المفكرين التاريخيين الذين روّجوا لها هي مجرد حداثة ظاهرية، محاولاً أن يشير إلى ضرورة وجود الحداثة «الداخلية» التي تتمسك بجوهر الحداثة والاعتماد على العقل.

انتابت المفكرون والمثقفون والوسط الفلسفي في مصر حالة من الحزن لفقد مبروك، ونعته الجمعية الفلسفية المصرية وأعضاؤها، كما نعاه وزير الثقافة المصري الكاتب الصحافي حلمي النمنم، مؤكداً أن المفكر الراحل أحد أهم الكتاب في مجال الفلسفة وعلم الكلام، وهو أحد أبرز المفكرين العرب الذين ناقشوا التراث الإسلامي والفلسفة الإسلامية، وكانت له إسهامات بارزة في مختلف القضايا الفكرية والمجتمعية. كذلك رثاه رئيس المركز القومي للترجمة د. أنور مغيث، قائلاً: «كان أحد أساتذة الفلسفة الذين لهم فكر محدد ومعلن، بالإضافة إلى امتلاكه مشروعاً فكرياً يعمل عليه منذ فترة كبيرة»، مشيراً إلى أن مبروك أحد الفلاسفة الذين لم يكتفوا بتدريس الفلسفة، بل كانت لهم رسالة قومية هي الفكر الديني المستنير الذي نطمح إليه.

ووصف الناقد الأدبي عمر شهريار الراحل بأنه أحد أهم الباحثين العرب في مجال الفلسفة الإسلامية، وبرحيله أصيب تلامذته بالصدمة، لافتاً إلى أنه من أنجب تلامذة د. ناصر حامد أبو زيد. وأضاف أن مبروك ترك إرثاً كبيراً من كتاباته المهمة مثل «النبوة.. من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ»، «عن الإمامة والسياسة، والخطاب التاريخي في علم العقائد»، «لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا»، وغيرها من كتابات مهمة في مجال الفلسفة. وأوضح الناقد الأدبي أن «مبروك كان باحثاً جاداً، كنا ننتظر منه الكثير في الفلسفة، ولكنه رحل عن عالمنا بشكل مفاجئ».

مشروع فكري

لفت رئيس الهيئة العامة للكتاب د. هيثم الحاج إلى أن الهيئة نشرت لمبروك أخيراً كتاب «في لاهوت الاستبداد والعنف»، وتسعى إلى إصدار مزيد من كتبه الفترة المقبلة، حال التوصل إلى اتفاق مع ورثته.

وأكد الحاج أن د. علي مبروك قامة فكرية وفلسفية كبيرة، وأحد أهم الكُتَّاب الذين ربطوا بين التراث والواقع والفكر السياسي، وكان لديه مشروع حقيقي، وواجبنا تسليط الضوء عليه.

بدوره، قال الكاتب والباحث مدحت صفوت إن وفاة مبروك فجيعة إنسانية وفكرية وعلمية، وخسارة فادحة، لأنه كان مشروعاً فكرياً وثقافياً لم يمهله الوقت ليكتمل المشروع، فكان يفكر في قضايا وإشكاليات علمية خاصة بالمرحلة الراهنة، وأنهى الموت هذه المشاريع.

عن مشروع علي مبروك أكد صفوت أنه يحمل مميزات علمية كثيرة، أولها أنه امتداد لمدرسة تشق طريقها في الفكر العربي بصعوبة شديدة، وهي مدرسة مُساءلة التراث بالعقل، مشيراً إلى أن امتداد المدرسة يعود إلى علي عبد الرازق، وطه حسين، ونصر أبو زيد، وفرج فودة، وغيرهم، وهو يُعتبَر امتداداً لهم.

وأضاف صفوت أن مبروك يربط القضايا التراثية بالواقع المعيش والحاضر، فضلاً عن عدم إغفاله البعد التاريخي لهذه الظواهر، فهو أستاذ كبير في ربط التراث بالمرحلة الراهنة، وعدم إغفال تاريخية الظاهرة المدروسة، مشيراً إلى أن مبروك استكمل مشروع الدكتور نصر حامد أبو زيد في دراسة تراث الإمام الشافعي، وهي خطوة أكثر تقدماً من مسار نصر، وناقش ذلك في كتابه «نزع أقنعة التقديس».

وأكد صفوت أن مبروك كان يحارب التفكير الخرافي، والأصولية والرجعية، وأن فقده خسارة كبيرة وفادحة ومفاجئة، لذلك لا تكفي الكتابة عنه أو الحديث عن مشروعه، أو البحث عن مناقبه، وإنما يجب استكمال هذه المشاريع، وبناء مجتمع يتسم بنشر التفكير العلمي، حتى تصبح أداة من أدوات التفكير بين الناس، وليس النخبة فقط.

من مؤلفات علي مبروك «النبوة... من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ»، «عن الإمامة والسياسة، والخطاب التاريخي في علم العقائد»، «لعبة الحداثة بين الجنرال والباشا»، «ما وراء تأسيس الأصول... مساهمة في نزع أقنعة التقديس»، «الخطاب السياسي الأشعري... نحو قراءة مغايرة»، «السلطة والمقدس... جدل السياسي والثقافي في الإسلام»، «ثورات العرب... خطاب التأسيس»، في لاهوت العنف والاستبداد - الفريضة الغائبة في تجديد الخطاب الديني، الدين والدولة في مصر - هل من خلاص؟ أفكار مؤثمة، من اللاهوتي إلى الإنساني، القرآن والشريعة، صراعات المعنى وارتحالات الدلالة، نصوص حول القرآن، في السعي وراء القرآن الحي.