لا أستطيع أن أتمالك نفسي أحيانا من الضحك المبكي، وأنا أستمع إلى سياسي لبناني من جماعة 14 آذار على الفضائيات يردد "إننا أصدقاء السعودية والخليج، ولكن البلد مختطف من جماعة مسلحة ومدعومة من إيران ونحن تحت الاحتلال تقريباً، وإذا تخليتم عنا فسنستسلم لتلك الميليشيا"، طبعاً تلك الأسطوانة تدور منذ عام 2005، كما يدور السياسيون اللبنانيون حول كراسي الحكم، وما يسمى بطاولة الحوار السرمدي بين الفرقاء اللبنانيين الذي لا ينقطع برعاية الأستاذ نبيه بري.

Ad

بينما المشروع الإيراني "إمكمل" على الأراضي اللبنانية، بتدريب عناصر خليجية وعربية على أعمال إرهابية وغرف العمليات ضد الخليج والعرب على أشدها، والمحطات التلفزيونية الموجهة ضد العربية السعودية تصدح من بئر العبد المتاخم للضاحية الجنوبية، فيما يقول لنا لبناني آخر بابتسامة صفراء "... ولو يا خليجيين بدكم تتفهموا خصوصية لبنان وتدعموا أصدقاءكم"!

عموماً، نحن الخليجيين ليس لدينا أصدقاء في لبنان، بل نملك أشقاء، هم عموم الشعب اللبناني بكل طوائفه وتكويناته، ولكن أحياناً بعض الأشقاء يعقون أهلهم، ويضرون أشقاءهم، بل يتسببون في قتلهم، وهنا لابد أن يجتمع بقية الأشقاء لمعاقبة العاق، وكف يد من هم على شاكلته، فعندما تهدر الدماء الزكية للجندي السعودي والإماراتي واليمني بكمائن الغدر المصممة من كوادر حزب الله اللبناني، ويموت إمام مسجد في محرابه في قرية بجنوب السعودية بتقنية قصف إيرانية بخبرات لبنانية فإنني كخليجي لست معنياً بخصوصية لبنان وكل تفاصيله السياسية.

فلن نجمع أشلاء أبنائنا الخليجيين بينما اللبناني لا يفعل شيئاً ليحرر بلده، ونضمن له عملته ورفاهيته بالودائع الخليجية، ونحافظ على أمنه ليتمتع "بأرجيلته" في الليالي الصيفية، بينما يخرج ابن جلدته اللبناني من الضاحية الجنوبية أو جنوب لبنان إلى سورية والعراق واليمن ليتآمر ويقتل ويهدم الأمن القومي العربي، بل ليدمر كل الأمة العربية ويفتتها ويقسمها لخدمة المشروعين الفارسي والصهيوني، بينما نحن نبحث عن أمن استديو في بيروت يبث لنا مسابقة غنائية!

نعم، لن نضيف مزيداً من أسماء الشهداء الخليجيين في اليمن والبحرين، من أجل أن يحافظ وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق على كرسيه، والذي يعتبر أهم وزير قدم خدمات إلى حزب الله في جميع المجالات، ليتفرغ الحزب للتعبئة وتجهيز مقاتليه إلى اليمن وسورية والعراق، ولكي يقيم تيار المستقبل حفلات البهرجة الخطابية و"طق الحنك" غير المفيد في "البيال"، ويناور بقية السياسيين اللبنانيين الميكافلين لحفظ مكاسبهم الشخصية، أو الحوار أمام قناني "الأيفيان" على الطاولة ومسدس حزب الله المخفي من تحتها!

المؤسف أن بعض المسؤولين والكتاب والإعلاميين الخليجيين عندما يخرجون على الفضائيات، ويُسألون "ماذا تريدون من لبنان؟" يتأتئ بعضهم ويدور ويلف مع أن الإجابة يجب أن تكون مباشرة وواضحة: نريد أن يتوقف لبنان عن إيذاء أمته العربية بسحب جميع ميليشياته التي تقتل في سورية والعراق واليمن، والمتآمرة مع طهران، ووقف مؤسسات لبنان العسكرية والأمنية من توفير الدعم والمساندة لميليشيا حزب الله التي تقوم بحماية قواعده الخلفية والممرات الآمنة له للقيام بالجرائم التي يقترفها في سورية تحديداً.

أما تهديد بعض اللبنانيين للخليجيين بخسائر مصالحهم في لبنان فهي نكتة سمجة، أو قيام حرب أهلية لبنانية فهو أمر لا نرغب فيه، ولكن على اللبنانيين أن يجدوا طريقاً للخلاص من محنتهم، فلن يكون من العقل بشيء أن نقبل بمنطق أن لبنان مختطف من قبل حزب الله، وعلينا كعرب وخليجيين أن نواصل تقديم أقساط الفدية له، وإلا فإنه سيقتل رهينته، ففي يوم ما علينا أن نواجه المختطف ونفك أسر الضحية منه!

***

هناك بعض الدول الخليجية التي تكرر كلاماً ممجوجاً عن استمرارها في دعم لبنان بالمساعدات المالية والاستثمارية، وهو ما يعتبر فعلياً دعماً لحزب الله بشكل غير مباشر، لأن كل دولار مودع في لبنان أو يدخله يصب في النهاية في دعم المجهود الحربي للمشروع الإيراني الممثل في حزب الله، والذي يساهم في تجهيز المقاتلين وتقديم الدعم اللوجستي لهم، وفعليا من يدعم لبنان اقتصادياً يشارك في هدر الدم الخليجي واليمني والسوري والعراقي والبحريني.

***

السفير الأميركي في بيروت ريتشارد جونز بادر، فور إعلان دول مجلس التعاون الخليجي قراراته بشأن لبنان، بتصريحات عن دعم واشنطن لاقتصاد لبنان، وهو أمر معلوم، فلبنان مرتكز أساسي لخطة لافروف- كيري، المدعومة إسرائيلياً لتقسيم سورية، ولولا دعم لبنان لنظام بشار الأسد بالمقاتلين وخلافه لما تحققت الخطة تقريباً، وأصبحت على وشك التنفيذ الفعلي.