في الصباح الباكر من كل يوم أقود دراجتي الهوائية "الغاري" متوجهاً من منزلنا في منطقة الفيحاء، وكانت في بداية نشأتها، إلى مدرسة صلاح الدين المتوسطة في منطقة المرقاب، مروراً بمنطقة وعرة كانت تسمى "المياص"، وهي التي تم إنشاء منطقة "ضاحية عبدالله السالم" عليها، كانت منطقة قاحلة تتميز بالكثير من الكثبان الرملية والترابية والحفر التي غدت مقر إقامة لأعداد كثيرة من "الكلاب الضالة" التي كانت تستهويها مرافقتي حتى الوصول إلى الشارع الرئيسي.

Ad

 لم أكن أشعر بالخوف منها، فقد اعتدت عليها، ولكن ما كان يؤلمني ذلك البرد القارس، فما أكاد أصل إلى المدرسة حتى أشعر بأن الدم قد تجمد في أطرافي، لكن ما يخفف ذلك الألم هو لقائي بإخوة أعزاء يسر الخاطر ذكراهم من أمثال غازي العمر وهاشم الغربللي، وعبدالله المزيني وصقر أحمد الصقر وعبدالعزيز الخضري وغيرهم من إخوة كرام.

كان ناظر المدرسة الأستاذ الفاضل عبدالحميد الحبشي، في حين كان وكيلها العم الفاضل مبارك صالح العنيزي، ومن الأساتذة الذين يصعب على الذاكرة نسيانهم مدرس اللغة العربية الأستاذ الفاضل إبراهيم حمودة وهو أستاذ "أزهري" يرتدي القبة والقفطان، وقد كلفني بالإشراف على إعداد جريدة الحائط الأسبوعية.

كان النظام المتبع في مدرسة صلاح الدين تقسيم الطلاب إلى أربع فرق تحت مسمى "أسرة أبوبكر الصديق، وأسرة عمر بن الخطاب، وأسرة خالد بن الوليد، وأسرة طارق بن زياد"، تتنافس فيما بينها بكل المجالات منها الرياضي والثقافي والمسرحي، وكان يشرف على الجانب المسرحي الأخ العزيز الشاعر الشعبي "ثامر السيار".

لم يكن يدور في خلدي، وأنا أقود تلك الدراجة، أن تقودني تلك الرحلة إلى الجانب الآخر من العالم، ولا أدري لماذا خطرت ببالي، وأنا أقف أمام هذه الثلة من حرس الشرف لجمهورية البيرو، وهي تعزف السلام الوطني للكويت الغالية في ذلك الركن الجميل من العالم، بعد مراسم استعراض حرس الشرف، دخلت إلى ذلك القصر البديع من آثار الإمبراطورية الإسبانية التي حكمت تلك البلاد، حيث قدمت أوراق اعتمادي لفخامة الرئيس فوجوميري سفيراً غير مقيم لبلدي لدى ذلك البلد الصديق.

يا لها من رحلة رائعة امتدت من المرقاب حتى هذه البقاع الخلابة، حيث قضيت فيها خمس سنوات تقريبا، وكانت مدينة كراكاس في فنزويلا نقطة الانطلاق للقيام بمهمات رسمية في العديد من دول تلك المنطقة، والتجوال ما بين جبال ووديان وأنهار وبحيرات وغابات وجزر، ويخطر على البال تلك الرحلة إلى مدينة مانغوا عاصمة جمهورية نيكاراغوا لتمثيل دولة الكويت في حفل تنصيب رئيس الجمهورية المنتخب، في أثناء تحليق الطائرة وبعد الدخول في الأجواء النيكاراغوية نظرت من خلال النافذة إلى تلك المناظر الخلابة، أنهار جارية في اتجاهات مختلفة، وبحيرات على قمم الجبال، وغابات ووديان، وسهول وسواحل... يا له من تحدٍّ أن تستمر تلك الرحلة من تلك البقعة القاحلة في المرقاب إلى هذه البقاع من العالم التي لم نكن حتى نعلم بوجودها، وتبقى الكويت توءم الروح ويبقى مكانها في الوجدان.

ودعاؤنا دائما للمولى القدير أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

كندة خالدة ونحن الفانون

أخي العزيز يوسف الجاسم "بو خالد" كفكف دموعك فكندة خالدة ونحن الفانون، وكأني بها تحلق بين "روح وريحان وجنة نعيم"، كأني بها وهي تكيل في ميزان حسناتكم مثاقيل الجبال على كل دمعة سالت من عيونكم، وأصدقك القول بأني، وعلى الرغم من دعوتي لكم بأن تكفكفوا دموعكم فإني لم أستطع أن أحبس دمعة سالت وأنا أقرا مقالكم الذي أتفق معكم في أنه لم يكتب بحبر المطابع، فقد شعرت بنهر من الأحزان يتهادى بين ثناياه، ولكنها إرادة الله الذي لا رادّ لقضائه، فصبرٌ جميلٌ والله المستعان.

و"إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ".