تقاطعت مواقف الجهات المعنية بالثقافة سواء في القطاع الخاص أو العام على أن مصروف الثقافة يمكن توفيره أو توجيهه إلى مكان آخر؛ لأنه بنظر «العقل المحاسبي» تبذير وإسراف، ولكن ما لا يمكن قبوله هو سير المؤسسة غير الربحية في خط هذا العقل الذي لا يستوعب مفهوم "المال الثقافي" ودوره في التنمية البشرية.

Ad

مهما تعالت الصيحات، ومهما ارتفعت حدة النقاشات بخصوص الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها، يعبر الجميع متعجلا فوق بند الثقافة لأن مفهوم الضرورة لا يشملها بعطفه.

لقد تقاطعت مواقف الجهات المعنية بالثقافة سواء في القطاع الخاص أو العام على أن مصروف الثقافة يمكن توفيره أو توجيهه إلى مكان آخر؛ لأنه بنظر "العقل المحاسبي" تبذير وإسراف، هل تريدون أمثلة؟ في الصحف اليومية، وهي مؤسسات ربحية لا جدال عليها، تلغى صفحة الثقافة بــ"التخاطر" بين عقل "الحاكم بفاتورته" وعقل المخرج الفني الذي يهدّ بناء توزيع الصفحات ويعيد بناءها كلما جدّ "شيك"، هذا الوضع مفهوم أكثر من أنه مقبول لأن المال عماد المؤسسة الربحية وبدونه تسقط وتنقطع أرزاق المئات من الموظفين.

ما لا يمكن قبوله هو سير المؤسسة غير الربحية في ذات خط التاجر والمحاسب الذي لا يستوعب مفهوم "المال الثقافي" ودوره في التنمية البشرية، مما يترتب عليه استسهال التضحية أولا بمصروف الثقافة عند بروز أي مشكلة في تمويل أي مشروع آخر، المهم ألا يعكر صفو الاجتماع  أي أمر ثانوي.

على صعيد الصحف هناك عامل آخر لا يقل بروزا عن عامل المال، وهو ضآلة تأثير المهتمين بالشأن الثقافي في خلق رأي عام ضد التعدي المستمر على صفحاتهم القليلة، تخيلوا مثلا صحيفة يومية تضحي بصفحات الرياضة يا ترى ما النتيجة؟ سوف "يعافها" الجمهور الرياضي ويتجه صوب صحف أخرى، وهنا تنعق معادلة الخراب (توزيع قليل، إعلان قليل، إغلاق)، بالمقابل لو انزعج الجمهور الثقافي و"اندهش" كما هي عادته في كل حدث فلن يعبأ برأيه "الحاكم بفاتورته".

المعادلة نفسها تنطبق على الساحة العامة، أطلقوا الخيال لعنانكم، نائب أو شخصية عامة تنتقد مؤسسة رسمية لأنها قلصت من حجم نشاط ثقافي أو حتى ألغت المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، نحن نحلم بالتأكيد لأن الثقافة لدى هؤلاء ليست ذات فائدة انتخابية أو حتى تفاعلية، كما أن صاحب القرار يعلم تماما أن رد فعل بعض المثقفين لن يتعدى غير "الاندهاش"، لذا كانت الثقافة وستبقى هي الضحية الأسهل لأنها بلا دية ولا صداع.