فوجئت الحكومات والشركات والاقتصاديون بالتحولات الجيوسياسية، التي نتجت عن الهبوط الحاد في أسعار النفط، وتباطؤ الاقتصاد الصيني.

Ad

ويعتقد معظم المعنيين، أن أسعار النفط سوف تتعافى، وأن الصين ستواصل صعودها. لكنهم مخطئون، وعلينا بدلاً من أن نخشى صعود الصين من جديد، أن نخاف من انهيارها، وبينما قد تتقلب أسعار النفط خلال الأعوام الأربعة أو الخمسة المقبلة، فإن صناعة الوقود الأحفوري ماضية على طريق الديناصورات، وسيترتب على ذلك تحول في ميزان القوى العالمي.

اللمبات ثنائية الإضاءة (ال.اي.دي) وأنظمة التدفئة والتبريد المحسنة ونظم البرمجة في السيارات زادت من كفاءة استخدام الوقود خلال العقود الماضية، لكن الهزة الكبرى لصناعة الطاقة أتت من التكسير، وهو حزمة من التقنيات الجديدة التي تهدف إلى استخراج المزيد من الهيدروكربونات من باطن الأرض.

وعلى الرغم من القلق من الأضرار البيئية الناتجة عن ذلك، زاد إنتاج النفط والغاز، وقلَّ اعتماد أميركا بصورة دراماتيكية على النفط الأجنبي.

وسوف تأتي الهزة التالية من الطاقة النظيفة – إذ تتطور طاقتا الشمس والرياح بشكل جلي، وفي كل عامين، على سبيل المثال، يتضاعف عدد أسطح تخزين الطاقة الشمسية، كما هبطت تكلفة إنتاج الوحدات الكهروضوئية بنحو 20 في المئة، وحتى من دون المساعدات الحكومية سوف تنخفض الكلفة الحالية لهياكل توليد الطاقة الشمسية إلى النصف بحلول سنة 2022، ما سيمكن من خفض المدة اللازمة لاستعادة ما ينفق من استثمار في هذا المجال في الوحدات السكنية في شتى أنحاء البلاد إلى أقل من أربع سنوات.

 وبحلول سنة 2030 سوف تتمكن الطاقة الشمسية من توفير احتياجات الطاقة الحالية بنسبة 100 في المئة، وستبدو شبه مجانية بحلول عام 2035، كما هي حال مكالمات الهواتف الخليوية اليوم.

وقد يكون من الصعب أن نصدق ذلك، لأن إنتاج الطاقة الشمسية يوفر أقل من واحد في المئة فقط من احتياجات كوكب الأرض في الوقت الحاضر، لكن هذه هي طريقة الزيادة الأسية للتقنيات – إذ إن أداءها يتضاعف كل سنة أو سنتين، بينما تقل أسعارها.

وفي ضوء توليد كاليفورنيا أساساً لأكثر من 5 في المئة من طاقتها الكهربائية من ألواح تخزين الطاقة الشمسية، فليس من الصعب أن ندرك تأثير عمليات التضاعف هذه: أي الأفول الوشيك لصناعة الوقود الأحفوري.

وقد تخدع الزيادة الأسية للتقنية في البداية، إذ إنها تتحرك ببطء شديد في البداية، لكن واحدا في المئة يصبح 2 في المئة، وتصبح هذه 4 في المئة ثم ثمانية ثم ستة عشر.

وكما يقول مستشرف المستقبل راي كورزويل عندما تكون التقنية الأسية عند واحد في المئة، فأنت في منتصف الطريق إلى 100 في المئة، وهذه هي النقطة التي بلغتها الآن طاقتا الشمس والرياح.

وكل من يرصد النمو الأسي للتكسير، والتقدم التدريجي الذي تحقق في ترشيد وكفاءة استخدام الوقود كان بوسعه التنبؤ – قبل سنوات – أنه بحلول سنة 2015 سوف يهبط سعر النفط بصورة دراماتيكية.

ولم يكن مفاجئاً، أن التغيرات الصغيرة نسبياً في العرض والطلب قد أفضت إلى اضطرابات واسعة في أسعار النفط العالمية – فتلك هي طريقة تحرك السوق، وهي تفضي إلى هبوط دراماتيكي في الأسعار الآجلة للسلع والنفط عند حدوث التباطؤ، وهذا ما يحدث أيضاً في الأسواق الصينية.

وقد توقف نمو التصنيع في الصين، وهو أكبر نشاط اقتصادي في ذلك البلد، ما أفضى إلى تأثيرات متلاحقة في شتى أنحاء الاقتصاد الصيني. وعلى مدى عقود، كان التصنيع يتدفق على الصين قادما من الولايات المتحدة وأوروبا، فيعزز نموها، ثم بدأ مزيج من ارتفاع تكلفة العمل والشحن والأتمتة في تغيير اقتصادات التصنيع في الصين، وتوشك الروبوتات أن تدفع الميزان نحو المزيد.

وكانت فوكسكون أعلنت في أغسطس 2011، أنها سوف تستبدل مليون عامل بروبوتات، لكن هذا لم يحدث، لأن الروبوتات لم تتمكن من العمل إلى جانب البشر، من أجل القيام بأعمال تجميع الدوائر المتقدمة والمعقدة.

لكن ذلك سيكون ممكنا عبر جيل أحدث من الروبوتات، مثل: "ايه.بي.بي يومي" و"ريثنك روبوتيكس سوير" ABB’s Yumi and Rethink Robotics’ Sawyer. فهذه الروبوتات بارعة إلى درجة أن بإمكانها إدخال خيط في ثقب إبرة، وهي تكلف ثمن سيارة.

وتدرك الصين التقدم في الروبوتات، وتخطط لتحقيق ريادة في استبدال البشر بها، كما أن إقليم غوانغدونغ يبني أول "معمل من دون عمال" في العالم مع 1000 روبوت تقوم بعمل 2000 شخص، ويبدو أن هذا هو الحل لمواجهة ارتفاع تكلفة العمل.

وتكمن المشكلة بالنسبة للصين، في أن روبوتاتها ليست أكثر إنتاجية من نظيراتها في الغرب، وهي تعمل 24 ساعة طوال أيام الأسبوع، من دون تذمر أو الانضمام إلى اتحادات عمالية، وهي تكلف القدر ذاته، وتستهلك الكمية نفسها من الطاقة.

وفي ضوء أوقات الشحن الطويلة، وتكلفة النقل العالية، لم يعد من المنطقي إرسال المنتجات الأولية عبر البحار إلى الصين لانتاجها في صورة بضائع جاهزة، ثم شحنها إلى الغرب. وهكذا، يمكن أن يصبح التصنيع من جديد صناعة محلية.

وسوف تحتاج الشركات الغربية إلى سنوات، لمعرفة تعقيدات تصنيع الروبوتات وبناء معامل مؤتمتة، وتدريب عمال والتعامل مع التحديات اللوجيستية لسلاسل الإمداد الموجودة في الصين، لكن هذه مشاكل يمكن التغلب عليها. وما يعد الآن مجرد قطرة تصنيع عائدة إلى الغرب سوف يصبح فيضاناً ما بين خمس إلى سبع سنوات.

وبعد ذلك سوف تبدأ ثورة تقنية أخرى: التصنيع الرقمي.

في التصنيع التقليدي يتم إنتاج القطع من قبل البشر، باستخدام أدوات تعمل بالطاقة، مثل: المناشير والمخارط والحفارات، من أجل تحريك المادة، والحصول على الشكل المطلوب.

أما في التصنيع الرقمي، فيتم إنتاج القطع عن طريق صهر طبقات المادة في صورة نماذج ثلاثية الأبعاد – وإضافة مواد بدلاً من انتزاعها. والطابعات ثلاثية الأبعاد التي تنتج ذلك تستخدم المعادن المعززة بالطاقة والقطرات البلاستيكية الصغيرة ومواد أخرى – مثل الخرطوشة التي تعمل في طابعات الليزر. وتستطيع الطابعات ثلاثية الأبعاد صنع أجهزة آلية مادية، وزراعة أنسجة طبية ومجوهرات، بل وحتى ملبوسات، لكن هذه العملية تتسم بالبطء والتشويش والازعاج، لكن كل هذا سوف يتغير.

وسوف نشهد في مطلع 2020 طابعات ثلاثية الأبعاد أنيقة ومتدنية السعر للاستخدام في منازلنا، وهي تستطيع طباعة دمى وسلع منزلية، وسوف تستخدم الشركات طابعات ثلاثية الأبعاد لإنتاج حاجتها من السلع في مجال صغير، عوضا عن الطرق التقليدية المجهدة والمكلفة لإنتاج تلك السلع.

 وفي وقت متاخر من العقد المقبل سوف نشهد طباعة ثلاثية للأبنية والإلكترونيات، وهذه سوف تكون في نهاية المطاف، مثل طابعات الليزر اليوم. ولا تستغرب أن تقوم الروبوتات الصناعية في سنة 2030 بإضراب، ورفع لافتات تقول: "أوقفوا الطابعات ثلاثية الأبعاد، فهي تأخذ وظائفنا".

المضاعفات الجيوسياسية لهذه التغيرات مثيرة ومقلقة، وسوف تعيد أميركا اختراع نفسها، كما تفعل كل 30 إلى 40 سنة، وهي بعد كل شيء ستكون رائدة الطفرة التقنية. وكما الحال الراهن، ستثير روسيا والصين نزاعات إقليمية، لصرف أنظار سكانها المتململين، بينما ستفضي الدول المنتجة للنفط، مثل فنزويلا، إلى الإفلاس، وسيكون الشرق الأوسط بؤرة عدم الاستقرار، بينما ستستفيد البلدان التي استثمرت في تعليم سكانها وبنت اقتصادات استهلاك قوية ولديها مؤسسات ديمقراطية قادرة على التعامل مع التغيرات الاجتماعية، لأن سكانها حصلوا على احتياجاتهم الأساسية، وبات في وسعهم إدراك كيفية الاستفادة من موجات التغيير.

فيفيك وادوا | Vivek Wadhwa

* زميل في مركز روك لحوكمة الشركات في جامعة ستانفورد، مدير الأبحاث في مركز لريادة الأعمال وبحوث التسويق التجاري في جامعة ديوك، وحاليا زميل في جامعة التفرد، وعمل سابقاً في كلية الحقوق بجامعة هارفارد، وجامعة كاليفورنيا بيركلي، وجامعة إيموري.