لهذا لا ضرورة للذهاب إلى جنيف
مستبعدٌ جداً، في ظلِّ واقع الحال، أنْ تتم مفاوضات جنيف في الخامس والعشرين من هذا الشهر، وحتى إن هي تمت فإنها في أحسن الأحوال ستنتهي إلى الفشل ذاته الذي انتهت إليه اجتماعات "جنيف2"، حيث أصرَّ وفد النظام، بتخطيط وإشراف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على أن تكون الأولوية ليس لما نصَّ عليه بيان "جنيف1" وإنمَّا لمواجهة الإرهاب... وهكذا تم تعطيل كل شيء ووصلت الأمور إلى كل هذه الأوضاع التي وصلت إليها بسبب التدخل العسكري الروسي الذي اتضح أنه تم بتواطؤ أميركي مخجلٍ معيب.المفترض، حتى ينعقد اجتماع الخامس والعشرين من هذا الشهر، أنْ يتخلى نظام بشار الأسد، أو في حقيقة الأمر أن يتخلَّى الروس عن شرْطَي ضرورة تسليم قائمة بأسماء أعضاء وفد المعارضة المفاوض وأخرى بأسماء ما اعتُبر تنظيمات إرهابية، كما أن المفترض أن يكون هناك وقفٌ لإطلاق النار من قبل القوات الروسية المحتلة ومن قبل حراس الثورة والشراذم المذهبية والطائفية المستوردة، وعلى رأسها "حزب الله" اللبناني... فهل من الممكن أن يحصل هذا كي ينعقد هذا الاجتماع وفي موعده ومكانه وكي لا يكون مصيره كمصير "جنيف2"؟!
والجواب هو أن هذا لن يحصل أبداً، حتى وإنْ استجدت معجزة في هذا الزمن الذي هو ليس زمن معجزات، فالمحتلون الروس مستمرون في قصفهم وعملياتهم وارتكاب مجازر حقيقية مرعبة ضد الشعب السوري، والإيرانيون، الذين يشعرون بهزيمة محققة في معركتهم مع المملكة العربية السعودية، وحقيقة مع العرب كلهم باستثناء الاستثناءات البائسة المعروفة، من غير الممكن أن يفرطوا في الإنجازات التي يشعرون أنهم حققوها في "القطر العربي السوري"، وبالطبع فإن بشار الأسد، الذي بات يشعر أنه شرب "حليب السباع" استناداً إلى "ورقة" جون كيري التي مددت له حتى أبريل من العام المقبل 2017 في كرسي الرئاسة من غير الممكن أن يتنازل عنه، ما لم يتنازل أولاً أولياء نعمته... الروس والإيرانيون. ولهذا فإنه لا يجوز أن تذهب المعارضة السورية إلى اجتماع من المعروف سلفاً أنه سيكون فاشلاً، وبلا أي نتيجة، وأن المحتلين الروس، الذين لا قرار في "القطر العربي السوري" إلا قرارهم، لا يريدون نجاحه لأنهم في الأساس عازمون على تدمير وإنهاء هذه المعارضة، ليصبح البديل هو المعارضة الوهمية التي تم صُنْعها وتمت "فبركتها" لهذه الغاية، وليصبح بإمكان بشار الأسد الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة ولما بعد هذه الانتخابات، كما قال فلاديمير بوتين، ولأن القول على هذا الجانب هو ما قال بوتين الذي له على حلفائه الأمر والطاعة العمياء، وبلا أي نقاش. ما قيمة الذهاب إلى هذا الاجتماع والاستمتاع بِطلّةِ وليد المعلم غير البهية إذا لم يكن هناك وقف مسبقٌ لإطلاق النار من قبل الروس، وإذا لم يكن هناك جدول أعمال يحظى بموافقة قيصر روسيا الصاعد فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وإذا لم يتخل بشار الأسد، والحقيقة إذا لم يتخل أولياء أمره، عن شروطهم المسبقة التي من بينها الحصول على قائمة بأسماء وفد المعارضة إلى المفاوضات والحصول على قائمة بأسماء التنظيمات التي تعتبرها روسيا ومعها إيران، حتى قبل رئيس نظام دمشق المهيض الجناح، تنظيمات إرهابية لا حوار ولا نقاش معها إلا بالرصاص وبالصواريخ وبقاذفات "سوخوي 34" الروسية الإستراتيجية. إنه لا ضرورة لا لهذه المفاوضات ولا إلى جنيف المقترحة ولا إلى الخامس والعشرين من هذا الشهر ولا إلى إعطاء ستيفان ديميستورا نجاحاً وهمياً كاذباً لم يحقق منه شيئاً مادام الروس لم يتخلوا ولا عن موقف واحدٍ من مواقفهم، وأيضاً ولا عن شرط واحد من شروطهم، ومادام الأميركيون أخرجوا أنفسهم عملياً من هذه اللعبة، ومادامت القاذفات الإستراتيجية الروسية مستمرة في تدمير "القطر العربي السوري" وذبح أطفال سورية، ومادامت تقصف سجن إدلب وتقتل أكثر من تسعين سجيناً وتبقى الهيئات الدولية المعنية صامتة صمت أهل القبور!