في اليابان رفضت شركة السكة الحديدية إغلاق إحدى محطاتها بسبب وجود طالبة في مرحلة الثانوية ليس أمامها وسيلة نقل أخرى تقلها إلى المدرسة، كما أن الشركة لم تكتفِ بذلك، بل أعادت ترتيب وقت خط سير القطار ليتناسب مع مواعيد الدراسة، والأجمل من ذلك أن هذا القرار لقي استحسان الشعب الياباني، ولم يتكلم عن الهدر وترشيد الإنفاق. هذا التصرف من الشركة لم يكن دوافعه التلميع الإعلامي، إنما من مبدأ الإيمان بالشراكة المجتمعية التي تراعي قيمة الإنسان، وتضع العلم في مقدمة أولوياتها؛ لذلك لم يوجد أي اعتراض من الشعب الياباني دافع الضرائب بل مباركة للقرار.

Ad

اليابان عدد سكانها تقريباً 128 مليون نسمة، ومساحتها ما يعادل ثلث جمهورية مصر العربية، أو سدس المملكة العربية السعودية، وهي من أكثر الدول في العالم تعرضاً للكوارث الطبيعية، و70% من أرضها جبال، ومع ذلك يبلغ إنتاجها القومي أكثر من خمسة ترليونات دولار، أي أكثر من الناتج القومي للدول العربية قاطبة.

في اليابان ما عندهم "هاشتاق" (خلونا نتحاسب) لكن عندهم نظام محاسبة فعال ينطبق على الجميع، وعندهم رؤية مكنت اقتصادها بأن يكون الأقوى في العالم بعد الاقتصاد الأميركي، للعلم هذه الدولة تصرف على البحث العلمي أكثر من 125 مليار دولار سنوياً كي لا يقف قطار التنمية عندها، فهي مصنع لصناعة العقول والأفكار المبدعة.

"خلونا نتحاسب" بالكويتي ليس له طعم من حيث التأثير؛ لأنه ردة فعل على ما تنوي الحكومة القيام به من رفع يدها عن بعض المواد الاستهلاكية ورفع لأسعار الطاقة، ويا ليت هذا "الهاشتاق" انطلق أيام البذخ الطائي دون جدوى اقتصادية، ودون أن يكون عندها برنامج يعالج تنوع الدخل القومي وبناء الهوية الاقتصادية الوطنية.

ما زلنا نراوح في مكاننا، ولم يخرج لنا الناطق الرسمي للحكومة ليتكلم عن خطتها في معالجة تداعيات انخفاض أسعار النفط، وما السبل والمشاريع الاقتصادية لمعالجة هذا الوضع، إلا إذا كانت الخطة تعتمد على ترشيد الإنفاق لحين عودة أسعار النفط لحالتها الطبيعية، على طريقة الفريق الإيطالي بالبطولات العالمية دفاع صلب وهجوم يعتمد على الهجمة المرتدة للفوز.

لجنة الميزانيات هذه السنة أدت دوراً إيجابياً في تحديد مواقع الخلل في ميزانيات وزارات الدولة والهيئات التابعة لها، لكن المطلوب أكثر بكثير من ذلك، فديوان المحاسبة رغم تبعيته لمجلس الأمة فإن غالبية تحفظاته وملاحظاته لم يؤخذ بها، حيث تعامل معها المسؤولون بالدولة على أنها توصيات أو وعود يقدمونها للجنة الميزانيات تنتهي مع اعتماد الميزانية. هناك سؤال حول فوائض الميزانيات السابقة أجاب عن جزء منه الأخ وزير المالية، لكنه غير كاف، ويحتاج إلى توضيح يبين الفوائض بالأرقام، وأين تم إيداعها؟ وما الإمكانية من الاستفادة منها في دعم الميزانية الحالية؟

ودمتم سالمين.