الصالح يخوض معركة الإصلاح وحيداً
الحكومة كسرت ظهره بتراجعاتها... وتركته يصارع المجلس والنقابات
بات نائب رئيس الوزراء وزير المالية وزير النفط بالوكالة أنس الصالح وحيداً في معركة "الإصلاح الاقتصادي"، بعد أن تخلت عنه الحكومة بصورة دراماتيكية في أقل من شهر، وهو ما يؤكد أن "الوثيقة" التي حملها إلى البرلمان لا تحظى بدعم حقيقي من مجلس الوزراء.فبينما كان الصالح يصارع على أكثر من جبهة داخل مجلس الوزراء، وفي لجان مجلس الأمة وأمام النقابات النفطية، كسرت الحكومة "ظهره" بتراجعها عن تقليص مخصصات العلاج بالخارج، والعودة إلى نقطة الصفر في هذا الملف الذي أصبح عنواناً للفساد والهدر الحكومي بشهادة تقارير أجهزة الرقابة.
ولم يكد الصالح يصحو من صدمة "العلاج السياحي" وموقف الحكومة من الخضوع لتهديدات النواب، حتى اصطدم بخضوع آخر في وزارة التعليم العالي، إذ تراجعت الهيئة العامة للتعليم التطبيقي - في منتصف الليل - عن قرار خفض مكافآت أعضاء هيئة التدريس خلال الفصل الصيفي، وهو أيضاً ملف تدور حوله أحاديث عن تجاوزات وتلاعبات بحسب تقارير ديوان المحاسبة، وأيضاً لجنة الميزانيات البرلمانية.ومن "الصحة" و"التعليم العالي"، لابد من العودة قليلاً إلى الوراء، لنجد ملف وزارة المواصلات التي أفرغت قانون خصخصة الخطوط الجوية الكويتية من فكرته بعد أكثر من ثماني سنوات على المضي في ذلك الطريق، ولم تكتف بذلك بل وافقت على إعادة جزء كبير من موظفي "الكويتية" المتقاعدين ممن تقدموا بطلب التقاعد للاستفادة من المميزات المالية!كذلك، فإن الصالح أمام خسارة أخرى متوقعة في معركة تقليص الدعوم وبخاصة شرائح الكهرباء، إذ تشير المعلومات إلى تضارب في الموقف ما بين أمنيات "وثيقة الصالح" ووزارة الكهرباء التي سلكت طريقاً مغايراً في التفاوض مع اللجنة المالية البرلمانية. ولا يقف التناقض عند هذا الحد، فحتى على مستوى المجلس الأعلى للتخطيط، لم يحصل الصالح على الدعم الكافي لوثيقته، بل وضع في موقف محرج سياسياً وشعبياً، بعد أن قدم عضو "الأعلى للتخطيط" السيد أحمد باقر مذكرة إلى اللجنة المالية البرلمانية تحمل رأي التجمع الإسلامي السلفي، وتناقض توجه الحكومة نحو الإصلاح الاقتصادي، ويمثل التجمع فيها وزير الأشغال العامة وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة د. علي العمير، مما يشير إلى تضارب الموقف مع المجلس.ولا يغيب "البديل الاستراتيجي" عن خارطة "وثيقة الصالح"، ولكنه يبدو خارج أولويات الحكومة، إذ إن مشروع قانونها لإصلاح سلم الرواتب يراوح على طاولة لجنة الموارد البشرية البرلمانية منذ عام، ولا توجد حماسة لإقراره سواء على المستوى النيابي أو الحكومي باستثناء الوزير أنس.وأمام هذا المشهد، بات مؤكداً أن الأغلبية النيابية الموالية للحكومة لا قيمة لها في تشريع الإصلاحات المطلوبة، وبصورة أكثر دقة وتحديداً، هي أغلبية تستخدم في صد "الاستجوابات" وحماية الوزراء ممن تثار قضايا الفساد في أجهزتهم وحولهم، وتستخدم أحياناً في معارك حكومية - حكومية كما هو حاصل بين الصالح وبقية الوزراء.ورغم كل هذه الضغوط ظل الصالح يعمل بهدوء، محاولاً حل جميع المشكلات عبر التفاهم مع كل الأطراف ذات الصلة، لكن ماذا سيقول للنقابات النفطية التي تهدد بالإضراب في القادم من الأيام إثر قرارات مؤسسة البترول الكويتية بتقليص بعض امتيازات العاملين في وقت تقوم الوزارات الأخرى بالتراجع عن قرارات مشابهة؟ وماذا سيكون موقف الوزير من زملائه في اجتماع الاثنين المقبل مع كل هذا التضارب في الرؤى الاقتصادية الذي أصاب وثيقته في مقتل؟وماذا ستقول الحكومة لبعض النواب حين تطلب دعمهم وأصواتهم لتعديلات تشريعية غير شعبوية؟ وكيف ستفسر الحكومة لسمو الأمير "الاختراقات" الجسيمة "الوزارية والنيابية" لرؤية وتوجيهات سموه للإصلاح؟قد تكون الحكومة مدركة لعجزها الإداري في تنفيذ "وثيقة الصالح"، وقد تكون أكثر إدراكاً لضعفها السياسي أمام النواب في هذا الملف فقط، ولكن ما لا تعلمه أنها تركت وزير ماليتها وحيداً يتلقى الطعنات من النواب والشارع... والوزراء.