افتتح حزب الاتحاد الديمقراطي السوري التابع للحزب الكردي الأكبر والأكثر قوة أول مهمة رسمية له في الخارج: في موسكو، ولكن نظراً إلى مقدار الدعم العسكري والسياسي التي تلقاه هذا الاتحاد من الولايات المتحدة، يقف الغرب مصدوماً وحائراً أمام قرار مماثل.

Ad

جمعت الولايات المتحدة بالاتحاد الديمقراطي علاقة قوية منذ تدخلها في أواخر شهر سبتمبر عام 2014 للدفاع عن مدينة كوباني السورية المحاصرة أمام هجمات "داعش" المتكررة.

إذاً، لمَ يحوّل حلفاء الولايات المتحدة من الثوار اليوم انتباههم الدبلوماسي نحو روسيا، التي تدعم الأسد وتُعتبر منافس الولايات المتحدة الإقليمي؟ وهل تشير هذه المبادرة الدبلوماسية إلى أن الاتحاد الديمقراطي الكردي يتخلى عن شراكته مع الغرب؟ إليك ثلاث نقاط أساسية من الضروري تذكرها دوماً:

لا يخون أكراد سورية الغرب لأنهم لم يكونوا يوماً على علاقة ثابتة به:

كما أظهر مقال نُشر أخيراً بعنوان "هل تخسر الولايات المتحدة الأكراد؟"، تركز المناظرات عموماً على هذا السؤال. لكن الولايات المتحدة لم تنجح يوماً في استمالة أكراد سورية لتخسرهم، إذ عانى الأكراد تاريخاً طويلاً ومراً من هجران الحلفاء الخارجيين وتخليهم عنهم، لذلك ما من لاعب كردي يراهن بكل أوراقه على خيار واحد.

تبدو السياسات الكردية مجزَّأة في المنطقة، ففي حين يُعتبر بعض المنظمات السياسية الكردية شريكاً قديماً للقوات الأميركية في المنطقة (مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في كردستان العراق، اللذين يرتبطان بالغرب منذ أكثر من عقدين)، يسعى البعض الآخر إلى الفوز بالدعم الأميركي منذ فترة وجيزة، وينطبق ذلك خصوصاً على الاتحاد الديمقراطي، نظراً إلى علاقاته الوطيدة مع حزب العمال الكردستاني في تركيا.

لم يبدأ جناح الاتحاد الديمقراطي العسكري، وحدات حماية الشعب التي أُنشئت خلال الانتفاضة السورية عام 2011، بالتنسيق بجدية مع الولايات المتحدة إلا خلال حصار كوباني وما بعده، وهكذا صارت وحدات حماية الشعب أحد حلفاء الائتلاف الأكثر نجاحاً في الحرب ضد "داعش"، لكن أكراد سورية لم يكونوا مطلقاً حلفاء أكيدين أو ثابتين، بخلاف بعض المجموعات الكردية الأخرى، وإن كان أكراد سورية يحاولون إبقاء كل الخيارات مفتوحة في التعاطي مع موسكو، فلا يشكل هذا قطيعة كبيرة من وجهة النظر الكردية أو الأميركية.

تبدو سياسات الإمداد المرتبطة بالدعم الذي يقدّمه الائتلاف متزعزعة:

من الناحية العملية، قد يتوقع الاتحاد الديمقراطي تحالفاً مع موسكو يعود عليه بفوائد أكبر، بما أن فرص حفاظه على روابط مثمرة مع الغرب تتراجع تدريجياً.

تؤكد الأبحاث الراهنة، التي تتناول ما يدفع الأطراف الثلاثة إلى دعم الثوار المحليين، أهمية توافق المصالح الواضح بين الطرفين، فيضمن هذا أن يستفيد كلا اللاعبَين من الدعم المتبادل، فضلاً عن أنه يساهم في الحد من أي تفاعلات محتملة بين لاعب رئيس ووكيل.

لا شك أن استغلال تركيا (حليف مهم لحلف شمال الأطلسي) المتزايد لمقاربة "نحن أو هم" بغية تقويض علاقات الولايات المتحدة مع الاتحاد الديمقراطي يضاعف الضغط المتنامي الذي يتعرض له توافق المصالح الأميركية-الكردية، وفي الوقت عينه تحاول أنقرة أيضاً تعطيل أي توافق استراتيجي بين روسيا والولايات المتحدة في مسألتَي الجبهة المشتركة ضد "داعش" والتوصل إلى حل في سورية، فقد أرغم إسقاط طائرة روسية في المجال الجوي التركي في الرابع والعشرين من نوفمبر حلف شمال الأطلسي على الانحياز.

لا بد أن تتبدل استراتيجية الأكراد الدبلوماسية مع تبدل موقفهم:

لربما يملك الاتحاد الديمقراطي حوافز استراتيجية جديدة تدفعه إلى تبديل التزامه الدبلوماسي من خصم للأسد إلى حليف له، وخصوصاً مع سيطرته المتنامية على الحركة الكردية السورية، ويساهم بحثي في مجموعة الأبحاث الواعدة التي تتناول راهناً أساليب الثوار الدبلوماسية وعلاقاتهم بالخارج، ويبرهن مدى تأثير سياسات حركة التمرد الداخلية والتفاعلات المحلية في استراتيجيات المجموعات الدبلوماسية الأشمل في الخارج.

عندما تكون حركة التمرد أكثر تماسكاً وتركيزاً على تقويض الحكومة المركزية، يزداد ميل المجموعات إلى طلب الدعم من حلفاء الدولة المناهضة للتمرد، فبما أن هؤلاء اللاعبين يشكلون داعمين أساسيين للحكومة المركزية، تدرك المجموعات أنهم يتمتعون بسيطرة كبيرة على عملية اتخاذ القرارات في الدولة المناهضة للتمرد. وبما أن لموسكو، لا واشطن، القدار الأكبر من النفوذ والسيطرة في دمشق في مسألة تسوية ما بعد الصراع، فربما يسعى الأكراد إلى الحصول على أفضل فرصة تسوية ممكنة.

صحيح أن نظام التمرد الأوسع في سورية مجزّأ، إلا أن الاتحاد الديمقراطي يسيطر اليوم على الحركة الكردية السورية، ومع أن الحزب الديمقراطي الكردستاني في سورية وغيره من المجموعات نافس الاتحاد الديمقراطي في السابق، فإن الاتحاد اليوم يحتكر القوة القسرية في المنطقة. علاوة على ذلك نجح هذا الحزب في دحر "داعش" والجيش السوري الحر من مناطق عملياته الرئيسة وتهميش خصومه داخل مناطق سيطرته.

مع اقتراب الاتحاد الديمقراطي من تحقيق أهدافه المناطقية وتراجع خوفه من المنافسة داخل حركة التمرد، صار بإمكانه تركيز انتباهه الدبلوماسي على الفوز بأفضل صفقة تمنحه الاستقلال الذاتي، وقد تساهم هذه التفاعلات في توضيح "لمَ خصّ الاتحاد الديمقراطي موسكو بانتباه دبلوماسي أكبر". لا شك أن بوتين حليف الأسد الدولي الأهم، مما يعني أنه يتمتع بالنفوذ الأكبر الذي يستطيع أن يضمن تحقيق المطالب الكردية السورية، حتى المعارضة المعتدلة تدرك هذا الواقع؛ لذلك يأمل الاتحاد الديمقراطي على الأرجح التقرب من موسكو في سعيه وراء تسوية ملائمة.

من الممكن أيضاً أن يستغل الاتحاد الديمقراطي تعزيز تقرّبه من الروس كوسيلة ليستميل الولايات المتحدة مجدداً ويدفعها إلى مدّه بالدعم غير المشروط، ولكن من وجهة النظر الكردية السورية تبقى مسألة واحدة جلية: تمر على الأرجح الطريق نحو تسوية مع الأسد وحصول أكراد سورية على استقلال ذاتي محتمل عبر موسكو لا واشنطن.

مورغان كابلان