الكتابة بيراع الألم

نشر في 13-03-2016
آخر تحديث 13-03-2016 | 00:00
 ناصر الظفيري هناك الكثير من الكتب التي تنشر كل عام، أسماء عديدة تكتب وإصدارات متلاحقة تحاول أن تجد طريقها للقارئ، يحتاج بعضها للكثير من التعب والجهد لتصبح قادرة على التماسك والإبهار. لكن تجربة طباعة كتاب أول تستحق دائما أن يجازف صاحبها بمستقبله الأدبي. هو يرى أن نجاح المطبوع الأول الخطوة الأولى على سلم الكتابة والاستمرار في هذا العذاب الذهني الذي لا نهاية له. وبنفس الدرجة هناك احتمال الفشل وحينها ليس أمام الكاتب إلا أن يعيد حساباته ويقرر التوقف أو تجاوز تجربته الأولى، وهو أمر ليس سهلا دائما.

وأحيانا تقودنا المصادفة للعمل الأول للكاتب الذي لا نطلب منه إلا بذرة الموهبة الأولى، والتي تشير إلى أن النص الذي بين أيدينا يستحق أن نشيد به ونطمح بأن القادم سيكون أكثر تأسيسا. وغالبا يتجاهل النقاد العمل الأول كي لا يكتبوا عنه ما ليس فيه من جهة، ولا يحبطوا كاتبه في محاولته الأولى من جهة أخرى. واعتدت ألا أكتب عن تجربة أولى إذا لم تكن مبشرة، ولا أقف ضدها إيمانا مني بأن الكتابة حرية شخصية متاحة للجميع كما هي القراءة.

أجمل هذه التجارب الأولى تلك التي تحاول أن تقنع نفسك بأنها تجربة أولى فعلا. وحدث ذلك مرات كثيرة من قبل مع كتاب لا توحي تجاربهم الأولى بأنها التجربة الأولى، وبالذات في النصوص، ويحدث ذلك الآن مع تجربة الشابة أمل العايذي في كتابها الأول "روح تخرج في نزهة"، الصادر عن دار مسارات العام الماضي. تتصفح الكتاب لتقع عيناك على نص كهذا:

لم يدربني أحد على الموت؛

كأن تشهق دهشة عيناي

تبرد أطرافي

تنسل روحي من جسدي الملقى على السرير

أخاطبه بلغة مبتذلة..

دون اكتراث لجمال عريه ص (36).

وتحاول أن تقنع نفسك بأنها تجربتها الأولى تحمل كل هذا الأنين النحيل، تكدس الألم وتنسج الموت بأشكاله المحتملة. تكتب هموما لم يحن الوقت لها وكأنها ولدت معها، تكتب وطنا يدير ظهره وهي تحاول أن تعانقه بلا يدين. ولكنها تكتب، تكتب ذاتها، تكتب جيلا من المعذبين يصهرهم هذا الفقد ويعبث بأول أفراحهم:

اكتب ولا تبالى من سبابة تنهرك

أو مقص يمزقك

أكتب حتى يبعثك الله طيرا أو نبتة

ويستريح في الأرض ظلك. ص (9).

السؤال الأهم في نصوص شابة تأتي محملة برائحة الموت المبكر، مشبعة باليأس من حياة لم تبدأ بعد وحبلى بأماني الرحيل والخلاص الوحيد من هذا القلق الوجودي: هل عذاب هذه الأجيال وراثي؟ ولأننا جميعا نعرف الإجابة وأصابنا اليأس من تكرارها ستبقى تحزننا تلك السوداوية التي تلون كتابات الشباب الذين يحملون عبء غيرهم، والذين فقدوا أصواتهم وأغانيهم وإيمانهم بالمستقبل. حين يبدأ أول الوعي في البحث عن منفى لا عن بناء ذات وحين يكبر الوجع حتى تستحيل كتابته والأغاني الممكنة هي أغاني الغياب:

ريح كنست صوت المآذن منذ الغياب

وبين الغياب والغياب مطر ينبت في القلب

سبع سنابل

في كل سنبلة مائة خيبة. ص (46)

back to top