أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق، لايزال يثير الجدل وهو يساهم منذ سنوات في رسم علاقات تحالف مع المحيط الكردي المجاور، والجار التركي الشمالي، حالماً بصناعة توازن مع الدور الإيراني. ورغم أن السياسي السني البارز، حاول إرساء علاقات «معقولة» مع بغداد، فإن مواقفه الصريحة جعلت منه شخصية تتعرض لـ «الشيطنة» عند الجمهور الشيعي.

Ad

وينشط شقيق الرئيس السابق للبرلمان اسامة النجيفي، مع قادة سنة آخرين مثل رافع العيساوي وخميس الخنجر، لإنشاء ممثلية سياسية في واشنطن تمثل العرب السنة العراقيين، ويقول إن الأمر يتعدى ذلك نحو بناء تيار سني جديد، هو الذي سيحسم انشاء الاقليم السني في عراق ما بعد «داعش».

حول هذه الموضوعات وتفاصيل مهمة اخرى عن تحرير مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى، كان هذا الحوار مع «الجريدة»:

● لنبدأ مع اثيل النجيفي من مدينته الموصل، التي صارت شاغلة الناس، ولاتزال بيد "داعش" منذ يونيو ٢٠١٤، لم تحدث أي عمليات جادة لتحريرها حتى الآن، لكن خلال الشهر الحالي لاحظنا حدثا اعتبر انه لقاء نادر بين الجيش العراقي والبيشمركة الكردية وحشد من العشائر السنية، في منطقة مخمور جنوبي الموصل. ماذا يعني لك هذا اللقاء النادر؟ وهل يدل على وجود معركة وشيكة تخص نينوى؟

ـ هذا حدث مهم طبعاً، لكن علينا أن نتذكر أن معركة نينوى يقودها التحالف الدولي بقيادة أميركا مهما تنوعت الجهات التي ستساهم فيها، ووجود التحالف مهم لمنع حصول الأخطاء التي ارتكبت في معارك المدن الاخرى، سواء من الجيش أو باقي المجموعات المقاتلة. وسوى جبهة مخمور الجنوبية هناك قاطع شمال وغرب الموصل الذي تتحرك فيه البيشمركة الكردية، ويوجد فيه ايضا الاف المتطوعين ضمن "حشد نينوى الوطني" في معسكر زليكان الذي توليت انشاءه منذ كنت محافظاً للمدينة وما زلت اديره، لايماني بأن أهل المحافظة لابد أن يشاركوا بفاعلية في أي جهد عسكري لتحريرها من "داعش"، لاعتبارات ميدانية واخرى سياسية.

كل هذه الجهات بما فيها نحن، تابعة لغرفة التنسيق المشترك في أربيل، حيث يتواجد فيها التحالف الدولي ووزارة الدفاع العراقية وقوات البيشمركة، ونحن مرتبطون بهم ضمن السياقات العسكرية.

● لكن هل ترى في وصول قوات الجيش الى مخمور خطوة جادة نحو معركة الموصل؟

ـ العمليات سواء جنوباً من مخمور أو شمالاً وغرباً في قاطع البيشمركة، لن تستهدف تحرير الموصل مباشرة، بل ستمثل اقتراباً من المدينة لمحاصرتها، وأمام الجيش العراقي نحو ٦٠ كيلومترا صعبة جدا، إذا نجح في قطعها فستتحقق نتيجة جيدة. نحن نعرف أن جنوب الموصل أخطر من الموصل نفسها، لأن الكثير من أبناء هذه المناطق ينتمون لـ "داعش" ومعظم مقاتلي هذا التنظيم من هذه المنطقة المحاذية للبادية الغربية المتصلة بسورية، وهي منطقة مهملة سياسيا منذ ١٠ سنوات، ولذلك لم يكن هناك نجاح في استيعاب سكانها وانحاز معظمهم لـ "داعش".

● ماذا بعد أن تنجح القوات المشتركة في الوصول الى تخوم الموصل، هل تفترض أن "داعش" ستنسحب منها بسبب هزيمته جنوباً وشمالاً؟

ـ هذا مفصل حساس ومهم، إذ بعد تحقق هذه الخطوة يجب تشجيع سكان الموصل على أن ينتفضوا ضد "داعش"، عبر تطمينهم بشأن مستقبل الإدارة السياسية والعسكرية المقبلة، وجعلهم يثقون بأن الأمر يستحق ثورة وتضحيات. لا يوجد لدى التنظيم بحسب تقديرنا سوى ٥ الاف مقاتل، بينما يعيش في الموصل نحو مليون وخمسمئة الف نسمة يمكنهم طرد الدواعش باسناد من خارج المدينة، فالمعادلة لصالح السكان ولصالحنا إذا خططنا بشكل صحيح.

● كلنا بالطبع نتمنى أن يتحقق هذا السيناريو، لكن لاحظنا أنه لم يحصل في الأنبار رغم أن عشائرها انخرطت مرات كثيرة في القتال ضده وحصلت على دعم، الا أن طرد "داعش" من الرمادي الأصغر سكاناً وحجماً من الموصل، لم يحصل الا بمعركة أدت الى تدمير رهيب للمدينة. كيف تتعامل مع هذه المقارنة؟

ـ تحرير الأنبار قام على مبدأ عسكري فاشل، وهذه طريقة الجيش العراقي التقليدية في الحرب، فهو يحاصر المدن ويقوم بسحقها وتدميرها، وهذا غير صحيح، ويجب أن يجري تعديل الخطة في الموصل، وافترض ان التحالف الدولي أكثر دراية بخطورة تكرار هذا السيناريو في الموصل، لأنه بشكل خاص مهتم بكسب ود الأهالي، وهذا لا يجري عبر تدمير المدينة، بينما لا يهتم الجيش العراقي بهذه الحقيقة.

هذا الأمر حاضر بشكل جاد في حواراتنا مع التحالف الدولي، الذي يعلن أن خطته كسب ود الأهالي لعلاقة مستقبلية مهمة في إرساء السلام، وهذا الهدف سيتضرر كثيراً إذا جرت معركة تنتهي بتدمير الموصل، لأنه سيجعل من السكان أعداء للتحالف الدولي، ولكل الأطراف الشرعية التي تقاتل "داعش"، ثم ستحصل موجة نزوح لمئات الالاف ولا أحد يستطيع تحمل نتائج ذلك.

● هل تعتقد انكم تنجحون في اقناع بغداد والتحالف الدولي بهذا؟

ـ الجميع يدرك ان تكرار سيناريو الرمادي في الموصل، سيعني تدميرا واستئصالا لاخر مدينة سنية كبيرة في العراق.

اذا تدمرت الموصل فلن يبقى للمجتمع السني العراقي لا سوق ولا جامعة ولا تراث ولا تاريخ ولا رمزية، وسيتحول السنة الى شعب بلا أرض، وهو بمثابة تهجيرهم ودفعهم خارج البلاد. ثم يصبحون مجتمعاً فقيراً مليئاً بالمشاكل والأمراض ولهذا تداعيات رهيبة على مستقبل الاستقرار في العراق والمنطقة ونحن نتحدث عن ملايين كثيرة كما تعلم. والجميع مسؤول عن التعامل مع هذه الكارثة.

● كل هذا معقول، ولكن هل تعني أن على الجيش أن يحرر أطراف الموصل، ثم ينتظر على تخوم المدينة سنة أو سنتين املاً في حدوث انتفاضة داخلية ضد "داعش"؟

ـ كلا، إذا توفر تخطيط ودعم جيد وعمل سياسي واجتماعي صحيح، فيمكن حصول ثورة داخلية بوقت سريع، ودعني أقول لك إن العمل على تثوير الموصليين بدأ فعلياً، وهناك عناصر استخبارية وتواصل وتخطيط، رغم أننا حتى الآن لم نحصل على الدعم الكافي، لكن نتوقع أن الأطراف المعنية ستتكون لديها قناعة أوضح وتوفر المتطلبات، والمؤسف أن التحالف الدولي مقتنع بهذا السيناريو أكثر من بغداد، التي لا تبدو متفهمة حاليا لملابسات الموصل ووضعها الخاص جداً.

● تتحدث دوماً عن التحالف الدولي، ولكن ماذا عن تركيا ودورها المثير للجدل داخلياً وخارجياً؟

ـ تركيا تقدم اسناداً عسكرياً لقوات البيشمركة الكردية في جبهة طولها نحو ٣٠ كم شمال الموصل، وتقدم مثلاً غطاء مدفعية، وهي أيضاً تقوم بتدريب الاف المتطوعين المرتبطين بنا في الحشد الوطني في معسكر زليكان قرب بعشيقة المحاذية للموصل، وهناك نحو ٢٠٠ مدرب تركي يعملون معنا، وقوة حماية لهم.

لا نعرف كيف نشكل جبهة

● لنتحدث في السياسة، اذ تقول معظم الاطراف ان تلكؤ الاتفاق حول دوركم كقوى سنية، يعود لغياب الجبهة السياسية السنية المتماسكة، اذ تعيشون انقساما داخليا لا يتوفر فيه حتى الحد الادنى من الانسجام، المتوفر لدى الأكراد والشيعة رغم خلافاتهم. هذا الصراع الداخلي جعلكم تخسرون كثيراً، وحتى أطراف دولية لا تعرف مع من تتفاوض في الوسط السني. لماذا وسط هذه المحنة، لا تنجحون في التوحد السياسي لاطلاق حوار متماسك داخلياً وخارجياً؟

ـ عبر التاريخ لم يجرب سنة العراق أن يشكلوا جبهة تمثل الطائفة، ولا توجد لدينا خبرة كافية في هذا الأمر، إذ كانت الدولة هي مظلتنا السياسية عبر التاريخ، اما الشيعة والاكراد فلديهم وضعهم وتجاربهم الخاصة في هذا المجال كمعارضين، والآن نحن كمعارضين لسياسات النظام السياسي أو معترضين على جزء كبير من سياساته، لم ننجح في بناء موقف متماسك، لأننا نجرب هذا لاول مرة. وحين اصبحت الدولة العراقية ترفض السنة أو تتعامل معهم بطريقة سلبية شعرنا بوضع مربك وصعب، وحين تحقق اليأس من بغداد وسياساتها أخيرا، بدأت مرحلة جديدة لدى القوى السنية.

● ما ملامح هذه المرحلة، فنحن نرى جمودا كبيرا يعم القوى السنية؟

ـ هناك اليوم جناحان للسنة، الاول يمثله الاخوان المسلمون في العراق والحزب الاسلامي، والجناح الآخر يمثل عناصر وقوى كانت ذات ميول عروبية قومية وإسلامية محافظة خارج الاسلام السياسي، والجناح الثاني يحاول اليوم بناء برنامج جديد يصمم خططا وبرامج شراكة داخلية وخارجية ترسي مستقبل الاستقرار والسلام.

بدأنا نعرف جيدا كيف نقوم بتشكيل جبهة سياسية متماسكة تطلق حواراً جادا بشأن مستقبل المنطقة السنية في العراق، وقد لا يكون نشاطنا ظاهراً، لكن الخطوات الكبيرة بدأت خاصة في إطار التفاهم مع التحالف الدولي بقيادة أميركا، ومع التحالف العربي والإسلامي.

إقليم للسنة

● من يمثل هذا المشروع السني الجديد اليوم؟

ـ المشروع لا يقوم على اشخاص بعينهم، لأن المهم الان هو بناء البرنامج، فمثلاً بدأنا نضع ثوابت ونحشد لاتفاق كبير بشأنها، أولها تأسيس أقاليم سنية تتمتع بصلاحيات كبيرة لتضمن الاستقرار وتطمئن الجمهور بشأن المستقبل على أن تمتلك هذه الاقاليم قوة دفاع ذاتي عسكرية تضمن تطبيق القانون وتكبح جماح أي قوة مسلحة خارج الشرعية، وعلى الأقل فستكون البداية في انشاء اقليمين في الأنبار ونينوى، لأن ديالى وصلاح الدين فعلياً تحت سلطة الجماعات المسلحة الشيعية.

نقطة البدء هي جعل الشعب السني النازح أو القابع تحت حكم "داعش"، يشعر بأنه قادر على امتلاك صلاحيات لإدارة شؤونه طبقا لدستور العراق الفدرالي ولمنطق اللامركزية الوارد في الدستور، وعلى القوى في نينوى والأنبار أن تشرع ببناء واقع سياسي جديد، سيصحح وضع السنة ويصحح وضع العراق برمته ويضع حلولا للمشاكل التي انتجت العنف والدمار واللا استقرار.

●وهناك من يقول ان الذهاب نحو هذه الخطوة سيكون مدعاة لصراع جديد وانقسام اكبر؟

ـ وهل هناك اكبر من الانقسام العراقي الحالي؟ في العراق اليوم، تتمثل المشكلة الاكبر في عدم وجود مؤسسات سليمة وفاعلة لا مدنية ولا عسكرية، والمشكلة لا تتعلق فقط بالنظام الحالي بل تعود الى النظام السابق وخرابه القديم الذي ندفع ثمنه. اما اللامركزية والفدرالية فشكل مجرب دولياً لضمان وحدة العراق المنقسم، لتبدأ ببناء مؤسسات صحيحة.

اليوم لا توجد شخصية عراقية قادرة على إبقاء العراق موحدا وانقاذه من البقاء في مستنقع البلايا، لذلك نريد بناء نظام لامركزي يعيد تشكيل العراق ويسمح بظهور تسويات داخلية وتفاهمات بين المجموعات السياسية الكبرى.

وذلك لن يتحقق الا إذا منحنا القوى المؤثرة الشرعية في نينوى والأنبار صلاحيات حقيقية تجعل الجمهور مقتنعاً بأن قيادته قادرة على تصحيح الأخطاء السياسية والأمنية وملفات حقوق الانسان وضمان الاستقرار، كي تنحصر الشرعية في هذه القيادات ونمنع ظهور التمرد المسلح والإرهاب.

لا نخشى الاحتراب السني

● لكن كثيراً من الأطراف السنية لديها مخاوف جادة من حصول صراع داخل المكون السني نفسه على من سيتحكم بالإقليم أو الأقاليم السنية، ومع وجود كل هذا السلاح كيف ستتعاملون مع هذه المخاوف؟

ـ هذا احتمال كان يقلق الكثيرين في الماضي، لكن الآن بعد أن أصبح معظم السنة مهجرين ونازحين ومدنهم مدمرة وبلا أي شيء يضمن لهم المستقبل، لم يعد هذا احتمالا يثير القلق.

نحن قادرون على بناء توافق داخلي كما صنع الأكراد والشيعة والآخرون. وبعد فشل الدولة العراقية في إدارة مناطقنا لم يعد أمامنا خيار سوى الذهاب نحو هذه الخطوة الدستورية.

إن اللامركزية قادرة على بناء تهدئة داخل المكون السني تبعد شبح العنف المسلح، حتى مع احتمال حصول مشاكل داخلية سياسية يمكن احتواؤها بطرق كثيرة، مثلما هو الحال مع المكونات الاخرى.

ممثليتنا في واشنطن انطلقت

● وهل تعتبر تأسيس ممثلية للقوى السنية في واشنطن خطوة مفصلية في هذا البرنامج السياسي الجديد؟

ـ الممثلية بدأت عملها في واشنطن، ويوجد الآن أكاديميون وناشطون اطلقوا الخطوات الأولى، وكان يفترض أن نقوم بافتتاحها رسمياً مطلع العام الجاري، لكن أمورا تتعلق بمنح الفيزا للحضور اجلت ذلك، وقريباً سيحصل الافتتاح الرسمي، والعمل يتركز الآن على التعاون مع شركات علاقات عامة وجماعات ضغط في اميركا لايصال وجهة نظرنا بخصوص قضايا الأمن والسياسة التي تهم أميركا والعالم بأسره، كما يفعل الشيعة والأكراد.

عزاء سليماني

● هل تواصلتم مع إيران، باعتبارك مؤمنا بالحوار؟ ونتذكر أن شقيقكم اسامة النجيفي حين كان رئيساً للبرلمان التقى مرتين على الأقل، مع جنرال حرس الثورة قاسم سليماني المثير للجدل عراقياً ودولياً؟

ـ التواصل مع الإيرانيين ليس بمستوى كبير، لكن هناك تواصلاً بمستوى معين بين ممثلينا السياسيين في بغداد، والممثلين الدبلوماسيين لإيران، مثلما تفعل كل الأطراف العراقية الاخرى. بالنسبة للسيد اسامة النجيفي فإن حادثة لقائه بسليماني في وقتها، تحملت أكثر مما تحتمل. فقد كان في زيارة رسمية لطهران، وجاء سليماني لزيارته، وفي اليوم التالي صادف أن والدة سليماني توفيت فكان من اللائق أن يذهب رئيس برلمان العراق لمراسم عزاء اسرة سليماني، ومجلس الفاتحة ليس مكانا لحوار سياسي كما تعلمون.

● بعيدا عن هذا، هل يؤمن جناحكم السياسي العراقي بضرورة الحوار مع ايران؟

ـ نعم، كجار تاريخي تجمعنا به مصالح ومصائر ومستقبل وجغرافيا وتاريخ، لكن الحوار مع ايران الدولة لا مع ايران الثورة، ولا مع الحرس الثوري الذي يتدخل في شؤون العراق. نحن نريد المساهمة في بناء علاقة مع الدولة الايرانية لا مع الحرس الثوري الايراني ومشاكله في العراق وفي المحيط الاقليمي، وهناك مصالح مشتركة حاسمة مع إيران مثل مصالحنا مع تركيا والسعودية، ونريد ان نناقش ذلك مع رجال دولة لا مع ضباط امن مهمتهم التدخل في شؤون العراق والمنطقة، وهذا مطلب مشروع في عرف العلاقات الإقليمية والدولية، وضامن لاستقرار المنطقة والعالم بأسره، ونحن نلاحظ ان السعودية وتركيا تتحاوران مع العراق دولة لدولة، ولا تزجان الاجنحة المتطرفة في هذه الحوارات، بينما إيران تريدنا ان نتعامل مع الحرس الثوري الذي لا يمثل الدولة الإيرانية.

ما قاله السفير السعودي

● وما رأيك في افتتاح السفارة السعودية في العراق لاول مرة منذ ربع قرن؟ وكيف سيؤثر هذا على وضع البلاد في المنطقة ومحاولة تصحيح موقف العراق داخلياً وخارجياً؟

ـ انني التقيت السفير السعودي الجديد في العراق السيد ثامر السبهان، وقال لي مستخدما مثلا شعبيا في المملكة، وكلامه كان يشبه كلام الاتراك وباقي المحيط الاسلامي الذين نلتقيهم ونناقش معهم اهدافهم وخططهم في بناء العلاقة مع الازمة العراقية.

السفير السعودي قال لي: "لا احد يخيط لكم ثوبكم الا انتم، ونحن لا نستطيع ان نقرر بدلا عنكم". هذا كلام مهم ويضع فارقا اساسيا بين هذه السياسة، وبين سياسة ايران في العراق. ودلالات هذه الكلمة مهمة للغاية بالنسبة لنا، وكانت قاعدة عمل طوال سنوات.

● دعنا نتحدث عن رئيس وزراء العراق حيدر العبادي، فبعد الاطاحة بسلفه نوري المالكي قام اثيل النجيفي بزيارة بغداد واللقاء به وكنت انت من الجناح المتفائل نسبيا بامكانية تصحيح السياسات، وحصلت اتفاقات ونواة للتسوية، وبعدها شعرنا أن الحلول السياسية تعرضت للتجميد، وكأن هناك من قام بإسكات بغداد وتأجيل الحلول بسبب ظروف إقليمية ودولية. ما الذي جرى عند هذه النقطة؟

ـ العبادي من زاوية طبيعته الشخصية، لديه بالتأكيد رغبة في إصلاح الأمور، لكن عملياً بقيت مفاتيح الحل بيد جهات أكثر تأثيراً، لذلك بات واضحاً منذ الاطاحة بالمالكي ان الجناح الشيعي الراغب بالتصحيح مقيد الى درجة كبيرة، والتيار الشيعي الذي لا يؤمن بالتصحيح يمكنه تحريك الشارع ضد المعتدلين، ومشكلتنا في العراق ان القيادات تخشى من الشارع المنفعل، وهذا ينسحب حتى على القيادات السنية في بعض القضايا. والجمهور يتعرض كل دقيقة لتعبئة طائفية رهيبة، ولذلك اصبح الحشد الشعبي والميليشيات الشيعية امرا مقدسا فوق القانون، ولابد أن نذكر بوضوح ان هناك جزءا من الحشد تحرك بدوافع وطنية ودينية وقام بدور مهم وتضحيات معروفة، لكن هناك ميليشيات تتحرك في ضوء برامج سياسية خطيرة ومدمرة، وارتكبوا اخطاء جسيمة وصاروا فوق القانون وخارج سيطرة الدولة. ومجمل هذه الظروف جعلت الحوار السني الشيعي يمر بظرف معقد جدا، خصوصا في ظل وضع إقليمي ملتهب.

المواجهة الشيعية قادمة

● لكنكم تلاحظون بالتأكيد وجود مواجهة قائمة بين معتدلي الشيعة ومتشدديهم، حول قضايا بالغة الأهمية، وهناك من يقول إن مرجعية النجف تخوض مواجهة مباشرة مع جناح نوري المالكي وقاسم سليماني، لأن التهديد وصل الى مكانة النجف الدينية نفسها، كيف تقرأون هذا؟

ـ المواجهة داخل البيت الشيعي قادمة بل قائمة حالياً، ولن تنتهي الا بمزيد من الضرر للعراق وللمجتمع الشيعي نفسه، لكن علينا أن نتذكر أن القادة الشيعة ارتكبوا اخطاء ولم يساهموا في بناء دولة، بل خلقوا وضعا انتج امراء حرب، ولدينا امثلة كثيرة على ذلك.

١٥ ألف ميليشياوي اضيفوا للشرطة

● كيف وهم الذين عارضوا اخطاء المالكي كثيرا ونسقوا معكم، وقاموا باعتماد برنامج تصحيح، سواء عمار الحكيم او مقتدى الصدر او اخرون من ممثلي القوى الشيعية التي عارضت سياسات المالكي نحو التفرد وقمع السنة والتصعيد مع الاكراد والمحيط الاقليمي؟

ـ صحيح، لكن تعال نلاحظ ما حصل بعد مغادرة المالكي لمنصبه ومجيء "حكومة الاصلاحات" بزعامة العبادي. الان مثلا وزارة الداخلية هي بيد منظمة بدر، وقد استولت على الدرجات الوظيفية لشرطة نينوى. كان لنينوى تقريبا ٢٥ الف درجة وظيفية في وزارة الداخلية، ونتيجة احداث الموصل عام ٢٠١٤ فقد عاد الى الخدمة نحو ١٠ الاف منتسب، وبقيت ١٥ ألف درجة وظيفية شاغرة في الشرطة، لكن الوزارة التي هي بيد منظمة بدر قامت بالاستيلاء عليها وعمدت الى زج ١٥ الف عنصر ميليشيا موال لها وللجماعات الشيعية المشابهة، في وزارة الداخلية. اصبح لدينا ١٥ الف عنصر ميليشيا داخل الوزارة والشرطة بدلا عن شرطة نينوى. ولا ادري بالضبط كيف تلاعبوا بالدرجات الشاغرة الخاصة بمحافظتي صلاح الدين والانبار السنيتين، ومر هذا مرور الكرام لأنهم لم يستحدثوا وظائف جديدة لكي تصبح علنية بل استبدلوا وظائف الشرطة من المناطق السنية، بوظائف لعناصر ميليشيات. هل ندرك حجم الخطر في هذا؟

● لكن الأطراف الشيعية الاخرى كيف تتعايش مع هذه القرارات، وهي تعتبر "منظمة بدر" محسوبة على الجناح الإيراني الذي يهدد النجف نفسها ويهدد نفوذ عمار الحكيم ومقتدى الصدر؟

ـ هذا ما نقوله لهم. كيف يجري تصحيح الوضع بينما وزارة الداخلية تدار من قبل احدى الميليشيات، وهذا حال كثير من الوزارات الحساسة الاخرى سواء كانت شيعية ام سنية، وهل تبنى الدولة بهذه الطريقة؟ ان المسار الحالي يمعن في تفكيك الدولة لا في اصلاحها، رغم كل نوايا الاصلاح لدى فريق العبادي ومسانديه من الشيعة وغيرهم. ولذلك نحن ندعو الى تغيير عميق في النظام والسياسات.

قيادات قوية

لو جئنا الى تسلسل القوة في الاحزاب العراقية فسنجد ان العبادي ليس قويا بما يكفي، وهذا يشمل في الوقت نفسه مقدار القوة السياسية والحزبية لرئيس مجلس النواب ورئيس الجمهورية، اذ ليسوا نافذين بما يكفي لصناعة قرارات كبيرة، وليسوا في المواقع الاولى في احزابهم. ونحن نسأل اليوم: بعد مرور فترة طويلة على تسلمهم المناصب، الى اي حد لديهم صلاحية ابرام تسويات وتصميم اتفاقات تحتاج الى قرارات كبيرة، دون الاستعانة بالقيادات الحقيقة في المكونات الاجتماعية والسياسية، ودون وجود حوار حقيقي في هذا الاطار؟

ان القيادات التي لا تمتلك القوة الكافية، غير قادرة على صناعة تسويات كبيرة.