خدعوك بقولهم إن الصراع طائفي أو فئوي
إن نجاح أدوات الفساد السياسي المؤسسي مرهون بمدى قدرتها على إشغال الناس في صراعات ثانوية ذات طابع عنصري، أو فئوي، أو طائفي، أو مناطقي، وبعيدة كل البعد عن الصراع الرئيسي في المجتمع وذلك كي لا يتحدوا للدفاع عن قضاياهم المشتركة.
كلما التفت الناس إلى مشاكلهم الحياتية وتوحدوا حول قضاياهم المعيشية والوطنية المشتركة، ثم وضعوا أيديهم على مكامن الخلل من أجل معالجتها، ارتعدت مفاصل مجاميع الفساد السياسي المؤسسي، وأصابها الرعب والذعر، فأطلقت أدواتها الفاسدة من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لتشويه طبيعة الصراع الاجتماعي-السياسي، بنعته تارة بأنه صراع طائفي، وتارة أخرى بأنه صراع فئوي كي ينشغل الناس ويتصارعوا فيما بينهم في قضايا هامشية وجانبية، بعضها يعود تاريخه إلى قرون سحيقة، وذلك في الوقت الذي تعيث فيه قوى الفساد السياسي المؤسسي وشبكة المصالح الخاصة فساداً في المجتمع.والمشكلة هنا ليست في وجود أدوات عنصرية وطائفية فاسدة تُحركها مجاميع الفساد والإفساد، وتوجهها بحسب مصالحها، وبالذات وقت الأزمات السياسية-الاقتصادية، فالأدوات المأجورة موجودة حسب الطلب، ويتم التخلص منها عندما تنتهي صلاحيتها في تأدية دورها المرسوم لإشغال الناس في صراعات هامشية لا جدوى من ورائها، المشكلة الأساسية هي وجود بعض الناس الطيبين الذين تنطلي عليهم ألاعيب أدوات منظومة الفساد السياسي ونهب المال العام، فيضيّعون وقتهم وجهدهم في القضايا الهامشية أو الجانبية التي تبرز بين فترة وأخرى، أو أنهم ينشغلون في الرد عليها والدخول معها في سجالات مطولة و"معارك" إعلامية ساخنة تلهيهم عن القضايا الرئيسة والأسباب الحقيقية للأزمة السياسية-الاقتصادية، ظناً منهم، وبحسن نية، أن هذا هو موقع الصراع الرئيسي في المجتمع في حين يوجد الصراع في مكان آخر، فهذه مجرد أدوات تُستخدم من أجل اختلاق الأكاذيب، وفبركة القصص التاريخية المُزيّفة لتشويه الصراع الاجتماعي الحقيقي وحرفه عن اتجاهه الصحيح، وهو الأمر الذي تسعى دائماً إلى تحقيقه مجاميع الفساد كي يخلو لها الجو، فتلعب منفردة في الساحة السياسية والاقتصادية في الوقت الذي ينشغل فيه الناس فيما بينهم في استقطابات فئوية وطائفية بغيضة، بالرغم من أنهم أصحاب مصلحة مشتركة في الإصلاح السياسي، والتغيير الديمقراطي، والتقدم الاجتماعي، ناهيك عن أن الأضرار المترتبة على السياسات والقرارات العامة التي يتم اتخاذها في ظل استشراء الفساد السياسي المؤسسي، واحتكار الثروة، ستقع عليهم جميعاً بصرف النظر على أصولهم وطوائفهم ومناطق سكناهم.بعبارات أخرى، فإن نجاح أدوات الفساد السياسي المؤسسي مرهون بمدى قدرتها على إشغال الناس في صراعات ثانوية ذات طابع عنصري، أو فئوي، أو طائفي، أو مناطقي، وبعيدة كل البعد عن الصراع الرئيسي في المجتمع وذلك كي لا يتحدوا للدفاع عن قضاياهم المشتركة. إن السياسات أو القرارات الاقتصادية المطروحة على الساحة هذه الأيام والتي سيتضرر منها بالدرجة الأولى المواطنون من الشرائح المتوسطة الدنيا والطبقة الفقيرة توضح بما لا يدع مجالاً للشك أن وسائل إعلام الفساد السياسي المؤسسي وشبكات المصالح الخاصة يخدعون بعض الناس عندما يروّجون أن الصراع الرئيس في مجتمعنا هو صراع فئوي أو عنصري تارة، وطائفي تارة أخرى.