كسب الحرب ضد داء السل

نشر في 07-04-2016
آخر تحديث 07-04-2016 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت يحارب الإنسان داء السل منذ العصر الحجري، لكن إحراز تقدم حقيقي ضد هذا المرض تم في القرن الماضي فقط، وهناك لقاح استخدم لأول مرة في عام 1921 ولا يزال قيد الاستخدام في جميع أنحاء العالم اليوم، وقد أثبتت سلسلة من المضادات الحيوية، بدءا بالستربتومايسين في 1940، فعاليتها في علاج الالتهابات.

منذ عام 1990 تم خفض عدد الوفيات بسبب مرض السل إلى النصف سنويا تقريبا، من عام 2000 إلى عام 2014، أدى التشخيص والعلاج الأفضل إلى إنقاذ نحو 43 مليون شخص، ومع ذلك فقد تباطأ التقدم كثيرا، مما يشير إلى أن المعركة لم تنته بعد، وكان الانخفاض السنوي في عدد الحالات على مدى العقد الماضي مجرد 1.65٪، وفي سنة 2014 قتل السل 1.5 مليون شخص.

وفي الوقت نفسه أفرزت سلالات المرض مقاومة العلاج، وقد نتج عن سوء استخدام وسوء إدارة المضادات الحيوية مقاومة للأدوية المتعددة. يجب أن تعالج هذه السلالات بأدوية الخط الثاني، والتي هي أكثر تكلفة، وغالبا ما تتسبب في آثار جانبية أسوأ، وظهرت أيضا سلالات مقاومة لأدوية الخط الثاني، والمعروفة باسم مقاوم أدوية داء السل على نطاق واسع (XDR-TB).

ونظرا للعبء الاقتصادي الهائل والمعاناة الإنسانية على نطاق واسع الناجمة عن داء السل، هناك حاجة ملحة لجهد شامل لمعالجة هذا المرض. وفي سلسلة من المقالات في المجلة الطبية البريطانية "لانسيت"، أعطى سلمان كيشافجي، أستاذ الصحة العالمية والطب الاجتماعي في كلية الطب بجامعة هارفارد، الخطوط العريضة لاستراتيجية التغلب عليه. كيشافجي ومجموعة من علماء السل والأطباء ونشطاء المنظمات الحكومية وغير الحكومية، والمستشفيات، والجامعات حددوا لأنفسهم هدفا بخفض عدد وفيات داء السل إلى الصفر، وإيجاد التدابير اللازمة لتحقيق ذلك.

تتجلى الخطوة الأولى في تكثيف جمع البيانات، ويختلف وباء السل، مثل تلك الأمراض المعدية الأخرى، حسب المنطقة الجغرافية، ونتيجة لذلك ينبغي أن تكون جهود القضاء على هذا الوباء حسب الظروف المحلية، وعلى برامج مكافحة السل المحلية الاستفادة بشكل أفضل من البيانات الموجودة، وتوسيع الجمع الروتيني، وتحديث أنظمة تخزين البيانات، وتطوير البنية التحتية التحليلية اللازمة لقياس آثار التدخلات المحلية، ويجب جعل هذه النتائج متاحة داخل البلاد التي تم فيها جمع البيانات، كما يجب أن تكون الدروس المستفادة مشتركة مع الدول والمناطق المجاورة.

وعلاوة على ذلك على العاملين في مجال الرعاية الصحية تكثيف الجهود لمنع حدوث إصابات جديدة وعلاج حالات جديدة بسرعة، ومن خلال البحث عن الضحايا والتعامل معهم بسرعة، حتى لا ينتشر الوباء،  يمكن كسر سلسلة انتقال داء السل، وقد أثبت التقييم التجريبي والنمذجة الرياضية فعالية هذه الاستراتيجية.

وفي الوقت نفسه يجب بذل الجهود للسيطرة على مشاتل استنبات المرض، والعدوى الكامنة التي هي تقريبا مصدر كل حالة جديدة من حالات السل، ويمكن للفيروس والبكتيريا السلية التي تسبب المرض أن تبقى نائمة لفترات طويلة، حيث لا تبين الضحية أي أعراض للعدوى، كما يمكن لاستهداف داء السل في هذه المرحلة وقف انتشار البكتيريا والحد من العبء العالمي للمرض، ومن شأن طرح العلاجات الوقائية لفائدة السكان المعرضين للخطر وتطوير اختبارات تشخيصية لتحديد أفضل لتلك الالتهابات بدون أعراض أن تفرغ كل خزانات الصرف من البكتيريا.

وإن لتطوير لقاح أكثر فعالية أكبر الأثر على هذا الوباء، ويعطى لقاح "عصيات كالميت غيران" للرضع في أجزاء كثيرة من العالم، ولكن فعاليته ضد مرض السل الرئوي متغيرة بدرجة كبيرة، وللقضاء على هذا المرض على الصعيد العالمي، لابد من لقاح حاسم وأفضل.

وأخيرا فإن أي جهد للقضاء على مرض السل يجب أن يأخذ بعين الاعتبار أن هذا المرض متجذر في الفقر والتهميش الاجتماعي، فمنذ منتصف القرن العشرين الماضي أكدت الجهود العالمية لمعالجة داء السل الحلول الطبية الحيوية وركزت على علاج تفشي المرض، ولكن قبل تطوير المضادات الحيوية ينبغي إدخال تحسينات في مستويات المعيشة قد تساعد في الحد من تأثير مرض السل، وإن إدماج مقاربة طبية حيوية مع التركيز على أهمية التغذية الجيدة، والسكن اللائق، ورفاهية الإنسان ستساهم بالضرورة في القضاء على هذا المرض بصفة نهائية.

يجب على المجتمع الدولي العمل معا، وترجمة المعارف والاستراتيجيات القائمة إلى تدخلات برنامجية فعالة في المجتمعات التي تعاني مرض السل أكثر من غيرها، ومن خلال تطوير أدوات جديدة ولقاح فعال، بما في ذلك التشخيص السريع والعلاج الآمن والأقصر لعدوى داء السل، فإننا بتعزيز النظم الصحية وتحسين الظروف المعيشية للسكان المعرضين للخطر، سنتمكن من القضاء على أحد أقدم الأمراض الفتاكة في تاريخ البشرية، وعندها فقط سنكون قادرين على وضع مرض السل، بعد طول انتظار، في كتب التاريخ.

ملفين سانيكاس - Melvin Sanicas

* موظف البرنامج وزميل الصحة العالمية في مؤسسة بيل وميليندا غيتس.

«بروجيكت سنديكيت، 2016» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top