ليست سياسة بل تياسة!

نشر في 16-01-2016
آخر تحديث 16-01-2016 | 00:01
 يوسف عوض العازمي عندما نتحدث عن مرفق القضاء، أو السلطة القضائية، سنكون كمن يسير بين حقول ألغام، أو فوق لوح غرست به مسامير، يقف القلم قبل أي مفردة تكتب، أو نقطة، أو فاصلة، ذلك لأن للقضاء هيبة، واحتراما، وتوقيراً عند الناس، ولأنه بعد الله، هو الملاذ الآمن الموثوق به.

وللقضاء طرق متعددة، في سبيل حفظ العدالة، والتوصل إلى حقيقة الادعاءات بين الناس، من قضايا مرفوعة، من هذا ضد ذاك، ومن التعامل مع مذكرات الدفاع، ومرافعات المحامين، والتعامل مع الادعاء العام، وغيرها من الجهات التي تتعامل مع جهاز القضاء.

والأحكام تكون بداية بحكم أول درجة، وبعدها للمتعاملين مع القضية الحق في الدرجة الثانية، وهي محكمة الاستئناف، إلى أن يصل المتقاضون إلى المحكمة التي تصدر الحكم النهائي، ألا وهي محكمة التمييز.

بطبيعة الحال، وكأي بلد يتمتع بحالة ديمقراطية، تكثر القضايا التي تحمل لون السياسة، وهي قضايا أقرب إلى القذف، أو السب، لذلك يتعامل القضاء مع مثل هذه القضايا بحرفية واهتمام، حتى يتحقق مبدأ العدالة التي لا تخنق الحريات، وتابع الجميع خاصة في السنوات الأخيرة، بعض القضايا التي أثارت الجدل بين العامة، ولاسيما القضايا التي تتعلق بأمور سياسية، فتجد أنه عندما يحكم القضاء لصالح الجماعة السياسية تلك، فهي تقوم بإصدار البيانات والتصريحات التي تؤكد على استقلالية القضاء، ونزاهته، وبأنه وأنه... إلى آخر عبارات المدح والإشادة المعروفة.

والعكس صحيح من بعض التيارات السياسية والسياسيين (قلت البعض لا الجميع) يتعاملون مع أي حدث وفق مصالح انتخابية أحيانا، وحزبية أحياناً أخرى، ووفق مصالح شخصية في أحيان كثيرة إلا من رحم الله.

لكننا نعلم أن مرفق القضاء يصدر أحكامه بدون تدخلات، وبحسب قناعة القاضي، ويتمتع باستقلاليته ويتميز بنزاهته وحياديته التي شهد لها الجميع، ولا يضره مواقف فلان السياسية، أو علان، التي يبنى أغلبها على مصالح انتخابية ضيقة.

من الصعب تفهم موقف من يمتدح القضاء ويشيد بنزاهته عندما يكون الأمر لصالحه، أو ضد خصومه السياسيين، أما حين تصدر أحكام قضائية ضده أو ضد منتمين إلى فئته الاجتماعية، فإنه يصف القضاء بأقذع الأوصاف، والتي أقلها التعسف... هذا تلون في المواقف، وغير مقبول، وليس من السياسة في شيء، بل تياسة!

القاضي ليس ملزماً بإرضاء كل الناس، بل مهمته الأساسية إرساء قواعد العدل، بتحقيق العدالة قدر الإمكان، وسأنقل هنا إحدى أجمل القصص عن القضاء في الإسلام، وتتلخص في أن وفداً من أهالي سمرقند شكا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز قائده قتيبة الباهلي، وأنه دخل بلدهم مع جيشه قبل أن يوجه إليهم الإنذار، حسب قواعد الحرب في الإسلام، فعندها عين الخليفة القاضي جميع بن حاضر الباجي لدراسة الشكوى، وجرت المحاكمة وحكم القاضي بخروج المسلمين من سمرقند، وفي النهاية خضع القائد قتيبة وجيشه لهذا الحكم، ولما رأى أهل سمرقند أن الأمر جد، وأنهم لم يشهدوا عدلاً مثل هذا العدل، قالوا «مرحبا بكم سمعنا وأطعنا»، وإننا نرى هذه العدالة المجردة عن كل هوى أو عاطفة أو مصلحة، وهي تعد مفخرة في التاريخ الإسلامي. وأيضاً كتب أحد الولاة إلى عمر بن عبد العزيز يطلب منه مالاً لتحصين المدينة، فكتب إليه عمر: «حصنها بالعدل ونق طريقها من الظلم».

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ».

back to top