اطمئنان متبادل بين البنوك و"المركزي" على وضعية المصارف للعام الحالي أداء ورؤية تشغيلية، في ضوء النقاشات والتقارير والميزانيات التقديرية التي رفعت مؤخراً، لكن بحسب تأكيدات مصرفيين فإن الإجراءات الاحترازية ومصدات الأمان التي أصر "المركزي" على بنائها طوال السنوات الماضية، والمعايير الرقابية الأخرى، كفيلة بتحمل القطاع أي سيناريو محتمل سنوات عدة.

Ad

كشفت مصادر مصرفية أن جميع الميزانيات التقديرية التي قدمتها البنوك إلى البنك المركزي للعام الحالي، خلال مناقشات الميزانيات والبيانات المالية السنوية، وفقاً للتقليد المتبع رقابياً، متفائلة.

وشددت المصادر على أن البنوك رغم التحديات الآتية من تراجعات أسعار النفط، قدمت نسب نمو متحفظة جداً، ورغم ذلك تحمل نسب نمو جيدة وإيجابية، تدعو إلى الاطمئنان والثقة بالاقتصاد الوطني ومسقبله، وتعكس القوة المالية للدولة وتصنيفاتها.

وبخصوص نسب النمو التقديرية المسبقة التي رفعت للمركزي، أكد مصرفي آخر أنه من المتوقع أن ترتفع بنسبة تتراوح بين 3 الى 5 في المئة على أقل تقدير، إذ إن النسب المرفوعة مضغوطة جداً، ووفق سيناريوهات واحتمالات شديدة التقشف على عدة مستويات.  وعلى أرض الواقع يمكن التيقن أن الميزانيات التقديرية التي رفعت للجهات الرقابية تستند على جملة معطيات ومرتكزات مالية صلبة، بعيداً عن أي معلومات أو بيانات متشائمة بخصوص العجز المالي الناتج عن تراجعات اسعار النفط من أهمها ما يلي:

1 - المشاريع الحكومية خصوصا الاستراتيجية منها مستمرة في التنفيذ، علما بأن بعضها يتم تنفيذه على فترة طويلة تتراوح بين عامين الى ثلاثة، خصوصا في قطاع النفط المتعلق تحديداً بعمليات التحديث والتطوير ورفع الطاقة الإنتاجية، وكذلك عقود الصيانة أيضاً.

2 - مشاريع الإسكان والبنية التحتية أو تطوير القائم منها هي مشاريع مستمرة أيضاً من دون توقف، وتندرج ضمن مشاريع الأولويات الملحة، وليست مشاريع ترفيهية يمكن تأجيلها.

3 - واقعياً البنوك الكويتية تحظى باهتمام حكومي وعناية رقابية غير مسبوقة، وتملك ميزات تخص توفير السيولة والودائع بهامش ضئيل جداً يضعها في وضعية مريحة، فإجمالا يمكن القول إن لديها نسبا وهوامش نمو وربحية شبه مضمونة.

4 - التوظيف الحكومي مستمر ولن يتوقف، وهنا جانب اخر شبه مضمون من المتدفقين إلى سوق العمل سنوياً باحتياجات شتى على مختلف الصعد، وأي نسب توظيف تنعكس ايجابا على القطاع المصرفي حيث التمويل الاستهلاكي والمقسط لهذه الشريحة التي لم تتشبع بعد باحتياجاتها ولوازمها.

5 - سوق العمل في القطاع الخاص أيضاً يشهد سنويا نسب نمو وتوسعات كبيرة، ويمكن قياس ذلك من قطاعات عديدة غير مدرجة في البورصة، تشهد نموا سنويا وتوسعات تتراوح بين 10 الى 15 في المئة، ولعل المجاميع العائلية الناجحة التي تجلب وكالات سنويا إلى رصيدها وسجلها، فضلا عن تأسيس شركات لقطاعات اقتصادية جديدة أيضا.

6 - يقول مصرفي لـ"الجريدة" ان ثلاثة قطاعات تشهد نموا لافتا بنحو 20 في المئة كحد ادنى أو أكثر، بعيدة كل البعد عن أي تأثيرات سياسية أو اقتصادية ولا علاقة لها بأسعار النفط، تضم كلا من "القطاع الصحي، والأغذية، والتعليم"، حيث تشهد توسعات مستمرة واستثمارات لافتة، علما بأنها جزء من اقتصاد حقيقي تشغيلي.

7 - أهم واكبر 25 عميلا لدى القطاع المصرفي هم عملاء استراتيجيون، بحسب تصنيف مصرفي لهم، جزء كبير منهم ما بين ملاك استراتيجيين، وشريحة اخرى منهم لديها ارتباط ولائي بالبنك، وشريحة ثالثة عملياتها وانشطتها والعلاقة التعاقدية والتمويلية متجددة، واقلها تتراوح بين فترة زمنية من 5 الى 10 سنوات.

8 - سوق التطوير العقاري، لاسيما القطاع الترفيهي والخدمي، مقبل على مشاريع مرتقب تدشينها والبدء فيها ستصل قيمتها خلال العام الحالي الى ما يزيد على 6 مليارات دينار كويتي، ستضمن جانبا تمويليا مهما، حيث سيتوزع تمويلها اكثر من مصرف محلي، فضلا عن القطاع الاستثماري السكني الذي يشهد طلبا مرتفعا على مدار العام.

9 - يمكن الإشارة الى جانب تشغيلي آخر من العمليات غير المرئي مصرفيا يخص قطاع الشركات الأجنبية العاملة في الكويت، والتي تقوم بتنفيذ اعمال في مشاريع ضخمة أو غيرها، وتعتمد في تعاملاتها على القطاع المصرفي، أو الشركات الأخرى التي تستعين بالقطاع المصرفي الكويتي في تقديم خدمات استشارية أو استثمارية مصرفية، ولعل استحواذ "فيفا" أحد النماذج.

10 - يبقى هناك رافد آخر هو العمليات الدولية للبنوك سواء انشطة وتعاملات تشغيلية مصرفية، أو تدفقات وإيرادات ناتجة عن افرعها الخارجية والبنوك التابعة ومكاتبها التمثيلية المنتشرة في عدد من العواصم الرئيسية اقتصاديا، فضلا عن خدمات تقدمها المصارف أيضاً للقطاع الخاص الكويتي المنتشر بعملياتها في أنحاء العالم.

تأكيدات ومعطيات

يقول مصرفي مطلع ان كل البنوك قدمت الميزانيات التقديرة بتحفظ شديد يعكس حتى التداعيات السياسية والتقشف المحتمل وتباطؤ الإنفاق، أو تراجع بعض القطاعات الأخرى على صعيد نسب النمو فيها.

ويضيف "تأتي تلك التحفظات متماشية مع توجيهات "البنك المركزي"، الذي يبتعد بخطوات عديدة في كل تقديراته ورؤيته البعيدة الأمد، ليضع القطاع على أهبة الاستعداد لاستيعاب أي تداعيات ممكنة، وهو ما يجعل البنوك دائماً محتفظة بأعلى تصنيفات مقارنة بنظيراتها في منطقة الشرق الأوسط. ولا يخفي مصرفي القول ان جزءا من المتانة المالية التي يعيشها القطاع المصرفي حاليا يعود إلى السياسات الاستباقية للبنك المركزي في كل تقديراته، إضافة الى الزاميته للقطاع بتطبيقات رقابية عالمية بشكل يسبق الفترات الزمنية المطلوبة، حتى إن كان في ذلك بعض المصاعب هنا أو امتعاض هناك.

ويضيف بقوله إن "هناك تعاونا رقابيا ومصرفيا كبيرا، حيث يخضع القطاع لمراجعات دقيقة وشاملة بشكل مستمر، وتبدو الأمور مصرفيا مختلفة عما سواها من القطاعات الأخرى، وهذا الأمر يتفرد به نظام عمل وطبيعة البنك المركزي تحديدا، إضافة إلى احتواء القطاع على أموال وإيداعات أفراد ومؤسسات وحكومة، وهذه عوامل تبرر اليقظة والتشدد الرقابي والتحفظ المستمر.  

 تحسن تشغيلي ونوعي

تبقى الإشارة إلى التحسن الكبير والملحوظ عاما بعد آخر، والمتمثل في سياسات التحول داخل القطاع المصرفي من تقليص أنشطة وإيرادات الاستثمار وزيادتها لصالح النشاط التشغيلي القائم على إيرادات الفوائد، وخدمة الدين بالدرجة الأولى وعمولات الاستشارات والخدمات المصرفية الأخرى، وكذلك تغليب أنظمة وإدارة المخاطر بمساحات أوسع وأكبر.   

تحسن جودة المحفظة الائتمانية ومؤشراتها لمستويات افضل مما كانت عليه قبل الأزمة، سيريح ميزانيات المصارف من ضغوط المزيد من المخصصات وتجنيب مزيد منها، مرورا بتقليص المصروفات بشكل لافت خلال السنوات الخمس الماضية، وفق خطط وسياسات موضوعة سلفاً تم تطبيقها وتنفيذها بنجاح كبير.