أزمة الإسكان وغياب الحل الحكومي
الكويت بلد ذو طبيعة اجتماعية خاصة لا تتمتع بها الكثير من الدول، فأهل الكويت ارتبط بعضهم ببعض، كما ارتبطوا بالأرض التي يسكنونها، فترى أبناء المنطقة الواحدة متعارفين فيما بينهم، وهذا نسيج اجتماعي رائع يدعو إلى الأخوة واللحمة الوطنية، إذ إن مختلف فئات المجتمع يتقارب بعضها من بعض.في السنوات القليلة الماضية ارتفعت أسعار العقار في الكويت، والكل يعلم أن المسكن حق للمواطن ومطلب رئيسي لكل إنسان، فأصبحت أسعار العقار خيالية، لا يستطيع المواطن أن يمتلك عقاراً خاصاً به في ظل هذه الأسعار المبالغ فيها، حتى المواطن من الطبقة الوسطى وحملة الشهادات العليا ليس بمقدوره تملك عقار بالكويت بسبب الأسعار المرتفعة جداً، خصوصاً في المناطق القريبة من العاصمة والمحافظات الرئيسية.
وقد تعددت الأسباب وراء هذا الارتفاع الكبير، ولعل منها على سبيل المثال لا الحصر ارتفاع أسعار النفط بعد حرب تحرير العراق والإيرادات النفطية الضخمة التي حصلت عليها الدول المنتجة للنفط، خصوصا دول الخليج العربي، فضلاً عن أن انخفاض البورصة وقلة الاستثمار فيها جعلا أصحاب المحافظ والمستثمرين يبتعدون عنها بفعل خسائرها المتكررة والاتجاه إلى الاستثمار العقاري، لأنه أضمن وآمن من الورصة ومضارباتها وخسائرها.ومن بين تلك الأسباب كذلك قلة الأراضي في الكويت، حيث تستغل نسبة بسيطة من الأراضي بينما باقي مساحة الدولة عبارة عن صحارى تمتد حول مدينة الكويت دون استغلال، إلى جانب المشكلة المعقدة المتمثلة في غسل الأموال، لأنها أموال لا يمكن إدارتها أو إدخالها في الودائع البنكية، فيتم تنظيفها عبر شراء العقارات. كما أن تأخر المؤسسة العامة للرعاية السكنية في تسليم المواطنين مساكنهم الحكومية وتزايد الطلبات الإسكانية بزيادة عدد المتزوجين وعدم بناء مناطق جديدة مناسبة، والاستقرار الأمني بعد انتهاء أزمة الخليج الثانية، والقضاء على نظام البعث في العراق كلها عوامل ساهمت في ارتفاع العقار في الكويت، إذن فالأزمة لها أسباب اقتصادية وسياسية وأمنية متشعبة جداً.أين الحل لهذه الأزمة؟ وكيف يستطيع المواطن الحصول على مسكن مناسب له ولأسرته في الكويت؟ الحل بتضافر الجهود الحكومية والقطاع الخاص من خلال حل مشكلة البورصة ودعم الحكومة للمستثمرين فيها حتى تعود فائدة الاستثمار وابتعاد هذا الكم الكبير من المستثمرين عن العقار، وتوجههم إلى استثمارات بنكية ومصرفية أخرى بسبب استغلالهم لهذا الارتفاع الكبير للعقار والتلاعب الواضح بسعر العقار في الكويت، حيث ارتفع أضعافاً مضاعفة.المؤسسة العامة للرعاية السكنية يجب أن تقوم بدورها في بناء مناطق سكنية جديدة مناسبة، فبدلاً من بناء مناطق بعيدة جداً حدودية أو في عمق الصحراء توجد مساحات واسعة قريبة من المناطق السكنية مهملة، فلماذا لا يتم بناؤها أو توزيعها على المواطنين، وحتى المناطق الصحراوية التي يتم بناؤها قد تكون خطوة جيدة لو نفذت بشكل أفضل من حيث توفير الخدمات والمجمعات في تلك المناطق، من معاهد وجامعة مثلاً وجعلها بيئة جاذبة بدلاً من كونها بيئة طاردة، فلا تصبح منطقة معزولة في الصحراء، بل يتم تنفيذ مشروع متكامل من الناحية الترويحية والجمالية، مع توصيل طرق ووسائل مواصلات حديثة مثل القطارات وغيرها إلى تلك المناطق التي تحتاج إلى نقلة نوعية، فنحن نقرأ عن المشاريع والخطط، ولكن لا نراها تنفذ.أيضا على الحكومة دور كبير في متابعة الأموال التي تتحكم في سوق العقار، ولا يعرف مصدرها، فمبدأ "من أين لك هذا" يجب أن يطبق والفساد الإداري والمالي والرشاوى العينية يجب أن يحاسب مقترفها، لأنها سبب رئيسي في هذا الارتفاع الكبير، والقطاع الخاص يتحمل المسؤولية أيضاً في عدم إنجاز مشاريع حقيقية سكنية كالتي يتم تنفيذها في دبي ومصر من مناطق سكنية متكاملة في قمة الروعة تشجع المواطنين على شراء مساكن فيها.يجب أن تعمل الحكومة لمواجهة مشكلة العقار وتنقذ المواطن الكويتي من هذا الجشع والطمع الذي يحيط بمستقبله، فمن حق المواطن تملك مسكن خاص به؛ ومن واجب الحكومة أن يكون لها دور في الحفاظ على حقوق المواطنين ومصالحهم، فهذه الأزمة تحتاج إلى وقفة جادة لخفض الأسعار المبالغ فيها، والتي تضر الوطن والمواطن، مع العلم أن بعض الأسباب السابقة بدأت تتلاشى، ورغم ذلك مازالت الأسعار بعيدة بالنسبة لإمكانيات المواطنين، فمتى نرى قرارات جادة تحل هذه الأزمة؟