في زمنٍ أصبحت فيه الحدود المرسومة قابلة للاختراق وباتت مفاهيم النزعة الجماعية تتجاوز المساحة الملموسة بسبب الهجرة الجماعية والتبادلات المستمرة في أنحاء العالم الرقمي، تؤكد أحدث سلسلة من ابتكار الفنان ديم كرم على قوة التواصل التي نحملها في داخلنا وأهمية القصص والاستعداد لمواجهة الظروف التي تتجاوز قدراتنا.

Ad

من خلال معرفة الاحتمالات غير المحدودة التي يمكن أن تنتجها الأفكار، يقترح كرم طرقاً جديدة لرؤية العالم ويحلل الأدوار المهمة التي يؤديها الأفراد الذين يجرؤون على تبني هذه المستويات العالية من الخيال والرؤية الثاقبة اللافتة.

في وسط المعرض الذي ينطلق في 21 الجاري ويستمر حتى 2 أبريل المقبل، يحدد مشروع {الأفكار المُهمَلة} (2015) الواسع النطاق سياق السلسلة كلها. يتخذ هذا العمل شكل مربّع فيه خردة معدنية متدلّية وهو يشير إلى الأزمة الفكرية المتفاقمة في هذا العصر، أي الأفكار غير المستغلة أو المتروكة، لا سيما في العالم العربي، مع أنها كانت لتقدم خيارات بديلة عن واقعنا الراهن.

تجسد أعمال الفنان الحديثة بطلاً ثنائي الجنس في حالات متنوعة من التأمل. سواء كان متكئاً أو جالساً أو واقفاً، يبدو رأسه أشبه بغيمة لا نهاية لها. يصف كرم هذا العمل بـ}كتلة أثيرية من الأفكار المتداخلة والعميقة}. يتألف جسم الشخصية {الزاهدة} من خطوط مرسومة بالفحم على لوحات زيتية أو أطر فولاذية ومقاومة للصدأ، وهي تعج بأنماط تجريدية ومعقدة تعكس، مثل المنحوتات السابقة، أفكار الشخصية وتجاربها المتراكمة.

 في العمل المبني على وسائل الإعلام المختلطة، {تدفق الأفكار} (2015) مثلاً، يتعارض جسم الشخصية الأبيض والحساس والصلب مع الغيمة الضخمة التي تمثل العقل، فتظهر دوامة من الخطوط والأشكال الحيوية. تبدو البنية الفخمة في قاعدة الرأس مترابطة كي تتمكن من تجسيد البطل الذي يصوره كرم حين تهبط الأفكار وتتطور بقوة شبيهة بالعواصف العنيفة، فتُغرِق الأرض تحتها.

رمزية عميقة

في كتاب نشره بوث كليبورن في عام 2014 في لندن، يسأل الفنان: {إلى أي حد يمكن أن تمتد أفكارنا بعد الكشف عنها؟ هل يمكن أن تحيط بالكوكب كله؟ هل يمكن أن تصطحبنا فوق السماوات؟}. تتحدى شخصيات كرم القيود الدنيوية وتبدو حالمة وتحمل رمزية عميقة.

يقدم الفنان والمهندس اللبناني نديم كرم أعمالاً متعددة الاختصاصات تجمع بين الرسم والتخطيط والنحت والكتابة لأجل ابتكار أعمال فنية جريئة وملهِمة وغريبة تتحدى المفاهيم المسبقة الشائعة. يجمع كرم في خلفيته بين النظريات الشرقية واليابانية عن المساحات، وقد ابتكر مفاهيمه الخاصة ومفردات فنية مختلفة تركز على وجود وضع إنساني مشترك، فاتحه بذلك نحو إعادة تشكيل المساحات. يركز بحثه على القناعة القائلة إن المدن تحتاج إلى حلم، ومن مسؤولية الفنانين أن ينشّطوا هذا الحلم عبر حقن جرعات فنية في البنى الجامدة وابتكار محركات ثقافية صامتة لكن ملموسة شرط أن تتحول إلى قوة جاذبة تستطيع التأثير على مسارات الناس. هكذا تصبح المدن مصدر إلهام للناس ومواقع تستهدفها المفاهيم والمبادرات الرائدة التي يقترحها.

وُلد نديم كرم في عام 1957 في السنغال، يعيش ويعمل في بيروت حيث أسس في عام 1996 هيئة تجمع مهندسين ومصممين لبنانيين اسمها Atelier Hapsitus، ولا يزال يديرها حتى الآن. يتمتع المشروع القائم منذ 20 سنة والمبني على دمج المجالات والجنسيات بتركيبة متعددة الاختصاصات تتماشى مع الطبيعة التجريبية لعمله.

في البداية تخصص كرم في مجال الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت قبل السفر إلى اليابان في عام 1982 حيث ارتاد جامعة طوكيو. في اليابان، درس مع مهندسين معروفين عالمياً ومع المفكرين هيروشي هارا وفوميهيكو ماكي وتاداو أندو ونال شهادة دكتوراه في الهندسة. كان عميد كلية الهندسة والفنون والتصميم في جامعة سيدة اللويزة في لبنان (2000-2003)، وعلّم التصميم المعماري في الجامعة الأميركية في بيروت (1993-1995، 2003-2004).

كُلّف كرم بابتكار منشآت فنية واسعة النطاق في مختلف مدن العالم وشارك في معارض فنية دولية ومناسبات مثل بيناليات ليفربول (2006) والبندقية (1996) وغوانغجو (1995).

نظم حديثاً معارض فردية في «غاليري أيام بيروت ودبي ولندن» (2013) وشارك في معارض جماعية في مواقع مثل «بينالي شنغهاي» (2014) و»معهد العالم العربي»، باريس (2013)، و{فيلا إمبان»، بروكسل (2012)، والكلية الملكية للفنون، لندن (2012).