دعا مقتدى الصدر، المعروف بقيادته ثورة شيعية ضدّ القوّات الغربية عقب اجتياح العراق في عام 2013، للاعتصام أمام المنطقة الخضراء المحصّنة احتجاجاً على عجز الحكومة العراقية عن إنجاز الإصلاحات التي وعد بها رئيس الوزراء حيدر العبادي.  

Ad

رغم أنّ ميليشيا جيش المهدي المسلّحة التابعة للصدر حُلّت عام 2008 بشكل رسمي، لم تختفِ الجماعة بالكامل، كذلك هي حال مؤسسها، بل غيّرت توجّه أهدافها وصبّت تركيزها على توفير خدمات اجتماعية للدائرة الانتخابية الشيعية في ضواحي مدينة بغداد وجنوب العراق. في السنوات اللاحقة تحوّلت ميليشيا جيش المهدي إلى قوّة سياسية، وفي عام 2014 فازت كتلة الأحرار النيابية التابعة للتيار الصدري بـ34 مقعداً في البرلمان العراقي، ووفّر العام نفسه فرصة سياسية أخرى لمصلحة الصدر، ففي الصيف بسط تظيم الدولة الإسلاميّة نفوذه على معظم المناطق شمال العراق وغزا عدداً كبيراً من المدن والمحافظات.

أعاد الصدر تسمية جيش المهدي بـ"سرايا السلام" ونشر المسلّحين أنصاره لحماية المعالم المقدّسة والطائفة الشيعية، على حدّ سواء، من مسلحّي "داعش"، وهي ليست المرّة الأولى التي يلف فيها رجل دين شيعي نفسه بالعلم العراقي، إذ بذل الصدر قصارى جهده في خلال الأسابيع القليلة الماضية ليبرز كرجل فدرالي عراقي، وفي أواخر الشهر المنصرم احتشد عشرات الآلاف من مناصري الصدر مطالبين الحكومة باستكمال الإجراءات الإصلاحية التي وعدت بها العام الماضي عقب موجة من الاحتجاجات خلال الصيف. لوّح مؤيدو الصدر بالأعلام الوطنية العراقية ودعوا رئيس مجلس الوزراء للوفاء بالتزاماته المتعلقة بالإصلاحات، لاسيما مكافحة الفساد وتحسين الخدمات الأساسية، وانتقل أخيراً الصدر إلى بغداد من مدينة "النجف" المقدّسة ليكون أقرب إلى النشاطات السياسية في العاصمة، وتعاون  مسلحو "سرايا السلام" التابعون له مع قوّات "الحشد الشعبي" التي فرضت الحكومة العراقية عقوبات عليها، في حملتهم ضدّ "داعش".

مع ذلك يكمن وراء شعار القومية تهديداً مبطّناً ألا وهو:الإصلاحات... وإلا.   أوضح المحلّل العراقي عمر النضاوي: "في حال أُحبطت خطّة التغيير التي تنتهجها حكومة العبادي أو استحال إقرارها في البرلمان، يقف العبادي أمام خطر المواجهة المباشرة مع الصدر. ويضيف: "في الحالات القصوى، قد يشير ذلك إلى أنّ آلالاف من مناصري الصدر سيجتاحون المنطقة الخضراء مما يزيد السخط الشعبي".

لا شكّ أنّ خطوة الصدر الأخيرة عبارة عن جهود تهدف إلى الحفاظ على مكانته في الحكومة العراقية وتأثيره في قراراتها.

يتمتع مقتدى الصدر، نجل الزعيم الشيعي محمد صادق الصدر، بشعبية واسعة في أوساط الأكثرية الشيعية العراقية خصوصاً لدى الفقراء والأتقياء في جنوب البلاد، غير أنّ الاستقلال عن واشنطن خلال الاحتلال الأميركي لبغداد مهّد الطريق بالتالي إلى ازدياد التأثير الإيراني في الشؤون العراقية.  أصبحت قوّات "الحشد الشعبي" نافذة وموازية للجيش العراقي، وشاركت ميليشيا الصدر، التي تحالفت مع هذه القوّات، في الوقت نفسه، في اشتباكات متقطّعة مع العناصر الخصمة المضلّلة بتنظيم يتمركز مناصروه في طهران بدلاً من بغداد. تنعم هذه الميليشيات نفسها المدعومة من إيران بازدياد الدعم السياسي في أوساط بعض الفرقاء العراقيين الشيعة المنتشرين في العراق ويشكّلون خطراً مباشراً على قاعدة الصدر الشعبية الشيعية.

يجد رئيس الوزراء العراقي نفسه عالقاً وسط لعبة شدّ الحبال الطائفية، ففي الأشهر الأخيرة  وحين كان يمارس ضغوطاً لإنجاز سلسلة من الإصلاحات السياسية واجه مقاومة مستمرة  من الفرقاء المحصّنين الذين أحكموا سيطرتهم على الحياة السياسية في العراق، في فترة ما بعد انسحاب الجيوش الأميركية. كذلك اقتراح العبادي استبدال أعضاء من الحكومة بمجموعة من التكنوقراط واجه المقاومة نفسها المتجليّة في سعي بعض الساسة إلى الحفاظ على مكانة في نظام يستشري فيه الفساد والمحسوبية، وفي ظلّ تجمّع عدد أكبر من مناصري الصدر في احتجاجات غزت أنحاء العاصمة أُجبر العبادي على سحب الجنود من الحملة الحاسمة التي يقودها الجيش العراقي لاستعادة الموصل، ثاني أكبر مدينة في البلاد ومركز السنّة العراقيين.

بات من المحتّم أن تستعيد الحكومة العراقية السيطرة على أراضيها وعلى البنى التحتية النفطية كافّة، إذ فرض التراجع في سوق الخام العالمي قيوداً على الخزينة العراقية، تماماً كما فعلت الحرب ضدّ "داعش"، ولن تؤدي المواجهة في بغداد إلا إلى إضعاف حملة الموصل التي كانت تعاني أساساً الخيبات، حسبما نُقل.  ولا يوفّر مقتدى الصدر أزمة عراقية قد تصبّ في مصلحته في ظلّ إسراع العبادي، حسبما زُعم، إلى تبديل الحكومة من أجل التصويت على إقرارها، فيبدو هذا الرجل مستعداً لثورة ناجحة ونصر سياسي كبير على الأرجح.

كيفن سوليفان