بدعوة من جامعة الشرق الأوسط في بيروت، أحيا تخت الجامعة الأنطونية للموسيقى الفصحى العربية، حفلة سماع روحي من تقاليد المشرق الموسيقية للأسبوع العظيم، إعداد وقيادة وكمان الدكتور نداء أبو مراد، سنطور هيّاف ياسين.

Ad

تضمّن برنامج حفلة السماع الروحي فقرات مرتجلة حول ألحان من الأسبوع العظيم والفصح، بحسب النسق الموسيقي التقليدي التأويلي المشرقي، وتوزع على فصول ثلاثة: ألحان من المقام الكنسي الرابع من الطقس السرياني الماروني. ألحان من الطقس السرياني الماروني ومن الطقس البيزنطي. ألحان من المقام الكنسي الأوّل من رتبة الفصح الأرثذوكسية.

د. نداء أبو مراد مؤلّف موسيقيّ وعازف كمان بحسب النهج التقليديّ التأويليّ العربيّ، يرتبط فنه بالتصوّف والارتجال، ارتكازاً على الترنيم والإنشاد والتجويد، وإحياء المدرسة التقليدية والتجديد فيها، فضلاً عن إعلاء شأن الكمان في الموسيقى الشرقية بجعلها لسان حال فنّه، سائراً بذلك على نهج عازف الكمان سامي الشوا، بهدف بلوغ السلام والصفاء الذهني.

الغوص في المقامات الموسيقية العربية على أنواعها ومبدأ الارتجال اللحني، هما الركيزتين اللتين اعتمدت عليهما نهضة الموسيقى العربية بين ستينيات القرن التاسع عشر وعشرينيات القرن العشرين، وقد تطوّرت الموسيقى العربية آنذاك من الداخل، أي من دون الاعتماد على مبادئ وصيغ مستوردة.

هـــــــذان المبــــــــدآن بالـــــــــذات بنى عليهــــمـــــا د. نداء أبو مراد فنه، متخذاً من تجربة عبده الحمولي ومدرسته خلال عصر النهضة العربية القائمة على منهجية التجدد المتأصل، قدوة ومثالاً، بهدف إحياء نهضة موسيقية عربية جديدة، معتبراً أن انتهاج مسارات التربية الموسيقية الأوروبية أحد مشاريع التثاقف المندرجة تحت عنوان العولمة التغريبية الثقافية المطروحة بإلحاح على العالم العربي.

أمّا التقاليد الموسيقيّة ذات الطابع التأويليّ والتسليميّ، المنضوية في الإطار الثقافيّ التقليديّ للأديان الإبراهيميّة، فتقوم على أصول أربعة، بحسب د. أبو مراد:

• نسيج صوتيّ أحاديّ، كثيراً ما تكون فيه الأحاديّة غير مطلقة، كونها أحاديّة لامتجانسة أي هيتروفونيّة النزعة.

• اعتماد النظام المرجعيّ لنمذجة الحيّز اللحنيّ من النصّ الموسيقيّ على سياق مقاميّ، يتّسم بهيمنة الهيكليّة الزلزليّة على تكوين السلالم المقاميّة، ويعتمد على صيَغ لحنيّة نموذجيّة وعلى مسارات إلزاميّة في تشكّل الهيئة اللحنيّة،

• اعتماد النظام المرجعيّ لنمذجة الحيّز الإيقاعيّ الزمنيّ من النصّ الموسيقيّ على سياق وزنيّ كلاميّ، يتّسم بتسلسل المدد الزمنيّة بحسب طول (ثِقل) مقاطع الكلام، وذلك على حساب الإيقاع الدوريّ، أي الميزان.

• اتّسام الأداء بطابع تأويليّ تجدّديّ، أي أنّه يتخطّى المظهر الحرفيّ للنصّ الموسيقيّ المبتغى أداؤه، ولوجاً إلى النماذج الأوّليّة التي تمكّن من إنتاج نصوص موسيقيّة جديدة بشكل فوريّ أي مرتجَل.

د. هياف ياسين

المدير الأكاديمي لفرع شمال لبنان في كليّة الموسيقى في الجامعة الأنطونيّة، ومدير بيت الموسيقى في النجدة الشعبية، وهو عازف سنطور ومؤلف موسيقي بحسب التقليد الموسيقي المشرقي العربي التأويلي ومبتكر السنطور التربوي.

محطات من حياته

ولد الدكتور نداء أبو مراد في تونس من أب وأم لبنانيين (مفيد أبو مراد واسبيرانس رزق). تلقى أصول العزف على آلة الكمان الأوروبي الكلاسيكي في المعهد الموسيقي الوطني اللبناني، وتابع دراسة الكمان الأوروبي في عصر الباروك وفي العصر الوسيط في معاهد أوروبية، وموسيقى العصر الوسيط في معهد الموسيقى في باريس.  عام 1985 بدأ دراسة أصول الأداء الموسيقي على الكمان بحسب تقليد الموسيقى "الفصحى العربية”، وكانت انطلاقته من أوروبا، واتسمت موسيقاه  بصوغ تجاربه الشخصية مرتكزاً على التراث العربي الأصيل، خصوصاً موسيقى عصر النهضة العربية.  

في أواخر 1993 عاد إلى لبنان وأسس تخت الموسيقى الفصحى العربية المشرقية. منذ 1998 اضطلع بمهام أكاديمية: باحث وأستاذ جامعي في العلوم الموسيقية، مدير الدروس في المعهد العالي للموسيقى في الجامعة الأنطونية، ومدير مركز التقاليد الموسيقية في المشرق العربي وحول البحر المتوسط ­ المعهد العالي للموسيقى في الجامعة نفسها، أستاذ زائر في كلية التربية ­ الجامعة اللبنانية. كذلك أسهم في تأسيس المعهد العالي للموسيقى في الجامعة الأنطونيّة، ويتولّى إدارته منذ 2004.

خلال التسعينيّات انطلق من لبنان إلى العالم في أعماله الموسيقيّة المرتبطة بالتصوّف والتقليد الموسيقيّ التأويليّ العربيّ المشرقيّ، فكانت حفلات السماع: «سماع من ذكر الحبيب»، «سماع من ذكر ليلى»، «سماه العاشقين»، «سماع من بشارة مريم»، «حافظ الشيرازي»، «الآلام والقيامة بحسب القدّيس يوحنّا»، «وصال» (عيد المولد النبويّ الشريف)، «سماع ميلاديّ صوفيّ مسرقيّ»، «البشارة: سماع صوفيّ مسيحيّ إسلاميّ». كذلك جالَ العالمَ مقدّماً فنّ التقاسيم على الكمان والعزف في إطار التخت على نسق سامي الشوّا.

وضع كتابَين علميّين جماعيّين وأشرف على إصدار مجلتين علميّتين محكّمتين دوليّتين: «التقاليد الموسيقيّة في العالمين العربيّ والمتوسّطيّ»، «البحث الموسيقيّ للمجمع العربيّ للموسيقى» (جامعة الدول العربيّة).

له أبحاث علميّة محكّمة دوليّاً منشورة في موسوعتَين فرنسيّة وإيطاليّة، وفي مجلاّت علميّة موسيقيّة أوروبيّة.

صدرت له 18 ألبوماً موسيقياً، وشارك في مهرجانات موسيقية في لبنان والعالمين العربي والغربي، ونال جوائز عدة من بينها جائزة الصحافة الفرنسيّة المتخصّصة، فكرست له مجلّة دار أوبرا باليرمو (إيطاليا) عددها الأوّل للألفيّة الثالثة ناشرةً فيه "سي دي” يتضمن مختارات من أعماله تحت عنوان "في الحبّ الإلهيّ”.

إلى جانب أعماله التلحينيّة المعتمدة على النصوص الصوفيّة، يعتبر نداء أبو مراد السبّاق في أداء التراث الموسيقيّ العبّاسيّ الذي دوّنه صفيّ الدين الأرمويّ، ونشره صوتيّاً. كذلك الأمر بالنسبة إلى الألحان التي دوّنها ميخائيل مشّاقة عام 1840.