ما قل ودل: محكمة العدل العليا في إسرائيل تلغي مخططاً للغاز أقرته الحكومة والكنيست

نشر في 03-04-2016
آخر تحديث 03-04-2016 | 00:01
 المستشار شفيق إمام قضت محكمة العدل العليا في إسرائيل بإلغاء مخطط الغاز الذي وضعته الحكومة الإسرائيلية العام الماضي، والذي يتضمن اتفاقات مع كونسورتيوم– أميركي إسرائيلي- لاستخراج الغاز من الاكتشافات الضخمة التي تم اكتشافها عامي 2009 و2010.

المعارضة الإسرائيلية ترحب بقرار المحكمة

قالت زهافا جال أون، زعيمة حزب ميرتس اليساري الليبرالي في إسرائيل، لقد أعلن نتنياهو بكل غطرسة، أنا أفعل كل ما أريد، ولكن المحكمة قالت له "لا"، وأشاد هيرتزوغ زعيم المعارضة الإسرائيلية بقرار المحكمة واصفاً إياه بالسليم والشجاع.

وكانت محكمة العدل العليا في إسرائيل قد قضت بإلغاء مخطط الغاز الذي وضعته الحكومة الإسرائيلية العام الماضي، والذي يتضمن اتفاقات مع كونسورتيوم– أميركي إسرائيلي- لاستخراج الغاز من الاكتشافات الضخمة التي تم اكتشافها عامي 2009 و2010، في غاز ليفان العملاق الذي يقع قبالة حيفا، وأحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في المنطقة، وهو الحكم الذي رحبت به المعارضة الإسرائيلية.

وقد بنت المحكمة حكمها سالف الذكر على ما تضمنه هذا المخطط من بند يقضي بعدم زيادة الضرائب على الغاز لمدة عشر سنوات، وهو المخطط الذي صوت الكنيست بالموافقة عليه.

أي أن شجاعة قرار المحكمة، الذي وصفه بها هيرتزوغ، أن المحكمة قالت "لا" لكل من الحكومة والكنيست (البرلمان)، لأن الكنيست كان قد صوّت بالموافقة على هذا المخطط.

وقد بنت المحكمة قرارها على أنه لا يجوز لحكومة أن تفرض على الحكومات التالية لها هذا القيد، فضلا عن افتقاد هذا المخطط لإجراء تشريعي يتخذه الكنيست، ذلك أن موافقته على المخطط بقرار برلماني لا في شكل تشريع.

« العدل العليا الإسرائيلية» والدرب الصعب

إلا أن مراجعة المحكمة العليا الإسرائيلية لأعمال الكنيست، وهو سلطة منتخبة من الشعب، قد أقحم المحكمة في الدرب الصعب الذي تخشاه أي رقابة قضائية، وهو إقحامها في صراع مع السلطة التشريعية، التي تملك سن القوانين التي تحد من صلاحيات المحكمة، وكان بعض أعضاء الحزب الحاكم (الليكود) قد طالب بتعديل قانون المحكمة ليصبح قرارها غير ملزم.

فهل هي بداية لتدخل المحكمة العليا في المعادلة السياسية في إدارة شؤون البلاد في المرحلة القادمة، وأن يصبح لها دور سياسي، غائب حتى الآن تماما، مع القيود الذاتية التي فرضتها المحكمة على نفسها، والتي بنت فيها جداراً من الصمت واللامبالاة، حول حقوق الفلسطينيين في الأرض المحتلة في إسرائيل، وحقهم في العمل وحقهم في السكن وحقهم في الكرامة، بل حقهم في الحياة، وتكتفي المحاكم في إسرائيل بالحكم بحبس العسكري خمسة عشر يوما إذا قتل طفلا متعمدا.

المحكمة العليا الأميركية

وقد وقع صراع بين المحكمة العليا الأميركية والرئيس روزفلت، عندما وقفت المحكمة سنة 1932 في مواجهة القوانين التي أقرها الرئيس في توجيه آليات السوق، وهي السياسة التي انتهجها في بداية رئاسته الأولى سنة 1932 لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت سنة 1929.

فقد كانت ردة فعله إزاء قرار المحكمة بعد نجاحه لفترة رئاسية ثانية هو تدخله بمشروع قانون لتعديل تشكيل المحكمة بتعيين عضو فيها بجوار كل عضو بلغ السبعين من عمره، وذلك لإدخال قضاة موالين لسياسته.

وقد أدى تقديم هذا المشروع، رغم عدم إقراره من الكونغرس، إلى استقالة عدد من القضاة من المحكمة العليا لتصبح الأغلبية إلى جانب الرئيس وبرنامجه، فدفعت المحكمة ثمنا فادحا وهو الخسارة التي لحقت بها من فقدانها للقضاة الذين استقالوا احتجاجا على تقديم مشروع القانون سالف الذكر.

صراع غير متكافئ

ولم يكن هذا الصراع قصراً على الولايات المتحدة الأميركية، فالتاريخ يثبت أن سجل هذا الصراع لم يتوقف في كل بلدان العالم التي عهدت إلى القضاء برقابة دستورية القوانين، من ذلك النزاع الذي نشأ في ألمانيا الاتحادية بين المستشار الألمانى أديناور وبين المحكمة الدستورية Karlsruhu بمناسبة الطعن في دستورية المعاهدة المبرمة بين ألمانيا ودول الحلفاء.

وفي جنوب إفريقيا عندما أبطلت المحكمة قانوناً يفصل الرعايا البيض عن المواطنين الأصليين من الملونين في هيئة الناخبين. كما أدى صراع مماثل إلى تعديل المادة 31 من دستور الهند بسبب صدور حكم المحكمة العليا بشأن التعويض الممنوح عن الملكيات المؤممة.

والواقع أن مراجعة المحاكم لأعمال السلطة التشريعية، وهي سلطة سياسية منتخبة من الشعب، أن هذه المراجعة في أي بلد في العالم سوف تقحمها في الدرب الصعب الذي تخشاه أي رقابة قضائية، بحكم أن أي صراع لها مع السلطة التشريعية سيكون صراعاً غير متكافئ.

المحكمة الدستورية المصرية

ومن هنا حرصت المحكمة الدستورية في مصر على فرض قيود ذاتية على مراجعتها للقوانين، منها أنها لم تبسط ولايتها علي ما يدخل في الملاءمات أو التقدير الذي تمارسه السلطة التشريعية، ولم تمتد ولايتها إلى ملاءمة الوسائل التي سنها التشريع لتنظيم ما نظمه من مسائل أو إلى البواعث التي حملت السلطة التشريعية على إصداره، لأن ذلك كله مما يدخل في صميم اختصاص السلطة التشريعية وتقديرها المطلق.

وبالرغم من القيود الذاتية التي فرضتها المحكمة على قضائها، في رقابتها المتوازنة لأحكام القوانين، فإنها لم تستطع أن تتجنب الصراع مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، ليس لأنها خرجت على القيود الذاتية التي فرضتها على نفسها، بل بسبب انفلات السلطتين من كوابح النصوص الدستورية والعدوان عليها في قوانين الانتخابات والقوانين الضريبية.

 رصاصة الرحمة على «الدستورية»

إلا أن الجميع فوجئ في عهد الرئيس حسني مبارك، وقد ضاق صدراً بأحكام المحكمة، في رقابتها لقوانين الانتخابات وحل مجلس الشعب تنفيذا لأحكامها أكثر من مرة، ولقوانين الضرائب التي قضت بعدم دستوريتها بصدور القرار الجمهورى بقانون رقم 168 لسنة 1998، الذي كان بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت على المحكمة والتي أصابتها، ولكن في مقتل، هو سلب ولايتها في ترتيب الأثر الكاشف لأحكامها، بحيث لا يفيد من الحكم عن الفترة السابقة على صدور الحكم إلا أطراف الخصومة في الدعوى الدستورية كأصل عام، وإلى جعل الأصل في باقي أحكامها صدروها بأثر مباشر، مع حق المحكمة في تحديد تاريخ غيره لنفاذ الحكم.

وكان القرار الجمهوري بالقانون رقم 168 لسنة 1998 قد نص على أنه: "ويترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخا آخر أسبق، على أن الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال باستفادة المدعى من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص". وقد تمثل هذا القانون عدوانا على ولاية المحكمة الدستورية وانتقاصا من حق التقاضي، لأن الأثر الكاشف لأحكامها هو جزء من تكوين هذه الأحكام ومن طبيعتها، وليس من الآثار التي يمكن أن يتدخل المشرع في ترتيبها وتنظيمها أو يقررها بالنسبة إلى المستقبل وحده.

وأنه لا يقبل أن يكون القانون غير دستوري بالنسبة إلى فرد واحد استطاع أن يصل بقضيته إلى المحكمة الدستورية قبل غيره، ودستوريا بالنسبة إلى الملايين المخاطبين بأحكام القانون بما يخل بمبدأ المساواة أمام الدستور وأمام القانون، في حق التقاضي.

back to top