قال البغلي إن الاطلاع على الوثيقة وتحليلها يكشفان مجموعة من الاختلالات الأساسية في توجهاتها وآلياتها التنفيذية، فضلا عن طغيان الحلول التي لا يمكن تطبيقها.

Ad

نظم المنبر الديمقراطي الكويتي مساء أمس الأول حلقة نقاشية بعنوان «الاصلاح الاقتصادي»، شارك فيها النائب السابق عبدالله النيباري، ورئيس قسم الاقتصاد في «الجريدة» محمد البغلي.

وذكر النيباري أن مشروع الإصلاح الاقتصادي والمالي يعد إصلاحا للموارد المالية لميزانية الدولة، من خلال إيجاد موارد اقتصادية رديفة لمورد النفط، مؤكدا أن العجز قادم لا محالة، خلال السنوات المقبلة، لاسيما أن الانفاق سيزيد حتى يصل عام 2035 إلى ما بين 52 و88 مليار دولار، وحينها سيكون العجز مضاعفا.

وأوضح أن العلاج لن يكون برفع أسعار الكهرباء والماء، لأن هذه الزيادة قد تصل في أعلى مستوياتها إلى 100 او 200 مليون دولار، بينما العجز في موازنة الكهرباء فقط أكثر من ملياري دولار.

وزاد ان وثيقة الاصلاح لا تعد حلا مناسبا، لأنها لم تأت بحلول منطقية، ولم تتطرق إلى إصلاح مالي أو اقتصادي أو الفساد أو الهدر، ولم تتطرق ايضا الى الامتيازات والمكافآت والبدلات والمساس بالثروات والدخول المرتفعة، فكلها محصنة بل اعتمدت على إعادة النظر في الدعومات فقط.

استئصال الفساد

وشدد النيباري على ضرورة إصلاح الاقتصاد وفقا لخطط وبرامج موضوعية، لافتا الى أنه قبل وضع الخطط التي من شأنها تعديل المسار الاقتصادي والمالي يجب أن تتضمن استئصال الفساد الناتج عن الواسطة والمحسوبية ووقف الهدر المالي.

وتابع ان من بعض الحلول الغائبة عن الحكومة توخي العدالة بفرض الضرائب، التي قد تكون مسألة غير مرغوبة، فمهما ارتفعت أسعار النفط، فلن تغطي العجز المتنامي مستقبلا، وبالتالي هناك ضرورة فرض ضرائب على الواردات والمبيعات، بشكل عادل وسليم.

واردف ان الضرائب في كل أنحاء العالم هي المصدر الأساسي لإيرادات الميزانية، وتتراوح بين 30 في المئة في أميركا، وأكثر من 60 في المئة بالدول الإسكندنافية، وكلها دول ذات نظم رأسمالية، مؤكدا أن «المنهج السليم لمعالجة العجز يمكن أن يكون من خلال فرض الضرائب، لكن حكومتنا لا تريد المساس بالدخول والثروات المرتفعة، وتتجه إلى جيوب المواطنين».

خطورة الخصخصة

واضاف ان مسالة تخصيص القطاعات الحكومية خطيرة، لانه لا يوجد في القطاع الخاص من هو افضل من الحكومة في ادارة قطاعاتها، لان المشكلة ليس بالملكية وانما بالادارة.

والمح الى ان التطرق لخصخصة المواصلات والكهرباء والصحة والتعليم وجزء من صناعة النفط، من اجل معالجة الوضع الاقتصادي في البلد، أمر بالغ الخطورة، ويحتاج الى مزيد من النقاشات والدراسات لقياس نتائج خصخصة هذه القطاعات، وتحديد جدواها على الدولة، لأن ما يطرح اليوم من مشروع حكومي هو فقط نقل الأنشطة من القطاع العام إلى الخاص دون التطرق الى ايجاد بدائل اخرى للنفط.

ارتباك الحكومة

من جانبه، ذكر البغلي أن انخفاض أسعار النفط استمر للعالم الثاني على التوالي، ومن الطبيعي أن تتأثر الكويت بشكل كبير إثر هذا التراجع، لاسيما أن دخلها يعتمد بنسبة 93 في المئة على النفط، «وبالتالي سيكون انكشافنا كبيرا في حال استمر انخفاض الأسعار على نفس المستويات الحاالية».

وارجع انخفاض الاسعار الى أسباب عالمية مرتبطة بالانفاق والانتاج في «أوبك» والفائض في السوق، اضافة الى انخفاض النمو في الصين، وسياسة التقشف التي تتبعها بعض دول أوروبا، فضلا عن زيادة الانتاج في أميركا.

وأضاف أنه على مدار العامين الماضيين تعرضت الحكومة إلى حالة من الارتباك، لوضع الحلول التي يمكن أن تحد من المخاطر الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، انتهت إلى وضع مجموعة من المقترحات المستنسخة من أيام التسعينيات والثمانينيات، والتطرق إلى إنشاء مناطق حُرة، فضلا عن تطوير مشاريع الجزر، التي يتم الحديث عنها منذ عام 2001، علاوة على ذلك، ترددت مفاهيم قديمة منذ عام 1997 مثل «نهاية دولة الرفاه»، ومن هنا لم نرَ أي مقترحات جديدة، بل مجرد تكرار واستحضار لتصريحات ومقترحات تم تناولها في العهود السابقة.

وثيقة الإصلاح الاقتصادي

وأفاد البغلي بأن وثيقة الإصلاح الاقتصادي عبارة عن تعهد الحكومة لإخراجنا من الأزمة الحالية خلال البحث عن إيرادات بديلة غير النفط، كالاعتماد على المشروعات الصغيرة، والخصخصة، وتحرير سوق العمل، وتشجيع الاستثمار الأجنبي.

وتابع: إلا أن الاطلاع على الوثيقة وتحليلها يكشفان مجموعة من الاختلالات الأساسية في توجهاتها وآلياتها التنفيذية، فضلا عن طغيان الحلول التي لا يمكن تطبيقها، واهتمامها الأساسي بجوهر فكرة إعدادها، وهو تقليص الدعوم، وإن جاء بغلاف مشروع إصلاح اقتصادي.

عيوب وملاحظات

وبتناوله وثيقة الإصلاح الاقتصادي، حدد البغلي عددا من العيوب والملاحظات، التي يرى أنها اختلالات أساسية، وعبارة عن مقترحات مكررة لخطة التنمية الأولى، التي أعلن عن فشلها وزير المالية السابق الشيخ سالم الصباح، وخطة التنمية الثانية المنفذة حاليا.

ورأى أن وثيقة الإصلاح خلت من تحديد برنامج زمني يمكن من خلاله قياس مدى النجاح، ولاسيما أن هذا النوع من الخطط يستلزم إفصاحات فصلية وسنوية، لبيان مدة ومدى الإنجاز في عملية التنفيذ، وفقا للأهداف المحددة، لذلك كان من الأفضل أن تُحدد الخطط والمشاريع قصيرة ومتوسطة الأجل الواردة في الوثيقة بجداول زمنية إلزامية.

وأضاف أن وثيقة الإصلاح الاقتصادي بالغت في الرهان على عملية الخصخصة، وتطرقها إلى قطاعات حيوية تصل إلى القطاع النفطي، وأخضعت أجهزة خدمية أساسية لخطط التخصيص، بما فيها التعليم والصحة، على الرغم من كوننا لا نمتلك المفهوم الحقيقي للخصخصة، وافتقادنا لهذه التجربة في قطاعات صغيرة ومتوسطة، كالبريد أو الأندية الرياضية أو المشروعات السياحية، فضلا عن البطء الكبير في خصخصة الخطوط الكويتية.

وزاد البغلي أن الوثيقة رغم تطرقها وتركيزها على معالجات سوق العمل وتخفيف آثاره الضاغطة على الميزانية العامة للدولة، فإنها لم تبين عدد الوظائف المُراد توفيرها في خطة الإصلاح الاقتصادي، ولم تتعهد بتوفيرها، عدا الوظائف الناتجة عن المشاريع الصغيرة، حيث سيتم طرح 2772 مشروعا صغيرا سينتح عنها 3500 وظيفة، ما يعني أن المشروع الواحد سيوفر واحدا وثلث وظيفة، وبالتالي أصبحت هذه المشاريع عبئا على الدولة.

ولفت إلى أن الوثيقة لم تتطرق إلى النمو المتوقع لمستوى التضخم في الكويت، إثر ارتفاع أسعار السلع والخدمات المستهدفة، كالمحروقات والكهرباء والماء وآثارها على القطاعات الاستهلاكية في الدولة، بغض النظر عن قبول أو رفض زيادة أسعار هذه الخدمات.

وعاب البغلي على وثيقة الإصلاح، أن القيادات التي ستطبق الوثيقة في الجهاز التنفيذي في الدولة ومجلس الوزراء، هي نفسها التي فشلت في تنفيذ خطة التنمية الأولى، وبنفس العقليات السابقة، الأمر الذي يهدد فشل الأهداف المرجو تحقيقها.

وحدد البغلي مجموعة من الحلول التي يمكن أن تساهم في معالجة الوضع الاقتصادي المتردي حاليا، من خلال إعادة النظر في المشاريع المطروحة على شكل مناقصات ومشاريع عامة، فالكويت أنفقت أعلى إنفاق لها على المشاريع العام الماضي، بنحو 9.3 مليارات دينار.

وأكد أنه يجب التركيز على المشروعات التي توفر إيرادات غير نفطية للدولة، وفرص عمل للشباب الكويتي، بالإضافة للاتجاه إلى مشاريع الـ BOT والشراكة، بدلا من المناقصات العامة، فضلا عن التوجه إلى إصدار ميزانية لمدة ثلاث سنوات لا يزيد فيها الإنفاق على المستويات الحالية، وإعادة هيكلة الاقتصاد، وكذلك التركيز على استقطاب وجلب الاستثمارات الأجنبية، بدلا من ضخ أموال في دول أخرى.

نمو الإنفاق العام

قال النيباري إن مقترحات الحكومة ونوابها لن تحل مسألة العجز في الموازنة بقيمتها الحالية، وإذا تم الأخذ بعين الاعتبار أن الإنفاق العام يتزايد بمعدل 5 و7 في المئة سنوياً، فإن الميزانية سترتفع في السنوات العشر المقبلة إلى ما بين 33 و40 مليار دينار.

الاستثمارات الأجنبية

أشار البغلي إلى أن الوثيقة لم تهتم باستقطاب وتشجيع الاستثمارات الأجنبية، رغم أن جميع الدول التي تسعى إلى إصلاح اقتصادي تعي تماما أهمية الأموال الأجنبية بالمشاركة في نهضة اقتصادات الدول، لكن على العكس، نلاحظ أن الكويت هي التي تسعى إلى الاستثمار والإنفاق على تنفيذ مشاريع تقع في بلدان أخرى.

العلاج بالخارج

تطرق النيباري الى قضية العلاج في الخارج، ومخصصات المرضى ومرافقيهم، قائلا إنها مسألة مخجلة ومعيبة، لافتا الى أن كلفة العلاج في الخارج زادت على 400 مليون دينار، مع التجديد المتكرر وزيادة عدد المرافقين.

وأكد أن العلاج في الخارج أصبح سياحة مدفوعة الأجر بذريعة العلاج، مستدركا أن المطلوب ليس تخفيض المخصصات من 75 إلى 50 دينارا، بل تصحيح عملية الموافقات، بناء على توصيات اللجان الطبية.